اللَّازمَ مُتَعدِّياً بتَضَمُّنِه مَعْنى التَّصْيير ، فإنَّ مَعْنى ذَهَبَ زَيْدٌ ، صَدَرَ الذَّهابُ منه ، ومَعْنَى ذَهَبْتُ بزَيْدٍ صَيَّرته ذاهِباً ، والتَّعْدِيَةُ بهذا المَعْنى مُخْتصَّة بالباءِ ، وأَمَّا التّعْدِيَة بمعْنَى إلْصاقِ مَعْنى الفِعْل إلى مَعْمولِه بالواسِطَةِ ، فالحُروفُ الجارَّةُ كُلُّها فيها سَواءٌ بلا اخْتِصاص بالحَرْفِ دُونَ الحَرْف. وفي اللّبابِ : ولا يكونُ مستقرّاً على ما ذُكِر يُوضِح ذلكَ قولهُ :
دِيارُ التي كادَتْ ونَحْن على منى |
|
تحلُّ بِنا لَوْ لا نجاء الرَّكائِبِ |
وقال الجَوْهرِي : وكلُّ فِعْل لا يَتَعَدَّى فلَكَ أَن تُعدِّيه بالباءِ والألِفِ والتَّشْديدِ تقولُ : طارَ به ، وأَطارَهُ ، وطَيَّره.
قال ابنُ برِّي : لا يصحُّ هذا الإطْلاقُ على العُمومِ لأنَّ مِن الأفْعالِ ما يُعدَّى بالهَمْزةِ ولا يُعدَّى بالتِّضْعيفِ نحو : عادَ الشيءُ وأَعَدْتَه ، ولا تَقُلْ عَوَّدْتَه ، ومنها ما يُعدَّى بالتَّضْعيفِ ولا يُعدَّى بالهَمْزةِ نحو : عَرَفَ وعَرَّفْتُه ، ولا يقالُ أعْرَفْتُه ، ومنها ما يُعدَّى بالباءِ ولا يُعَدَّى بالهَمْزةِ ولا بالتَّضْعيفِ نحو دَفَعَ زَيْدٌ عَمْراً ودَفَعْتُه بعَمْرِو ، ولا يقالُ أَدْفَعْتُه ولا دَفَّعْتُه.
وللاسْتِعانَةِ ، نحو : كتَبْتُ بالقَلَم ونَجَرْتُ بالقَدُومِ وضَرَبْتُ بالسَّيْفِ ، ومنه باءُ البَسْمَلَةِ ، على المُخْتارِ عنْدَ قَوْمٍ ، ورَدَّه آخَرُونَ وتَعَقّبُوه لمَا في ظاهِرِه مِن مُخالَفَةِ الأدَبِ ، لأنَّ باءَ الاسْتِعانَةِ إنَّما تَدْخُلُ على الآلاتِ التي تُمْتَهَنُ ويُعْمَل بها ، واسْمُ الله تعالى يَتَنَزَّه عن ذلكَ ؛ نقلَهُ شيْخُنا.
وقال آخَرُون : الباءُ فيها بمعْنَى الابْتِداءِ كأنَّه قال أَبْتَدِىءُ باسْمِ الله.
وللسَّبَبِيَّةِ ، كقوله تعالى : فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ (١) ، أَي بسَبَبِ ذَنْبِهِ ؛ وكَذلكَ قوله تعالى : إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ (٢) ، أَي بسَبَبِ اتِّخاذِكُم ؛ ومنه الحديثُ : «لنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُم الجنَّةَ بعَمَلِه».
وللمُصاحَبَةِ ، نحو قوله تعالى : اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا (٣) ، أَي : معه ؛ وقد مَرَّ له في مَعانِي في أنَّها بمعْنَى المُصاحَبَة ، ثم بمعْنَى مَعَ ، وتقدَّمَ الكَلامُ هناك ؛ ومنه أَيْضاً قوله تعالى : وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ (٤) ، أَي معه ؛ وقوله تعالى : فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ (٥) ، وسُبْحانَك وبحَمْدِك. ويقالُ : الباءُ في فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ للالْتِباسِ والمُخالَطَةِ (٦) كقوله تعالى : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ (٧) ، أَي مُخْتَلِطَةً ومُلْتَبِسَةً به ، والمَعْنى اجْعَلْ تَسْبِيحَ الله مُخْتلِطاً ومُلْتَبِساً بحَمْدِه. واشْتَرَيْتُ الفَرَسَ بِلجامِه وسرْجِه.
وفي اللُّباب : وللمُصاحَبَةِ في نَحْو : رَجَعَ بخُفَيِّ حُنَيْن ، ويُسَمَّى الحَال ، قالوا : ولا يكونُ إلَّا مُسْتقرَّة ولا صَادّ عن الإلْغاءِ عِنْدِي.
وللظَّرْفِيَّةِ بمعْنَى في ، نحو قوله تعالى : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ (٨) ، أَي في بَدْرٍ ؛ ونَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٩) ، أَي في سَحَرٍ ؛ وفلانٌ بالبَلَدِ ، أَي فيه ؛ وجَلَسْتُ بالمسْجِدِ ، أَي فيه ؛ ومنه قولُ الشاعرِ :
ويستخرج اليربوع من نافقائه |
|
ومن حُجرِه بالشيحة اليتقصع |
أي في الشّيحةِ ومنه أَيْضاً قوله تعالى : بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (١٠) ، وقيل : هي هنا زائِدَةٌ كما في المُغْني وشُرُوحِه ، والأوَّل اخْتارَه قَوْمٌ.
وللبَدَلِ ، ومنه قولُ الشَّاعر :
__________________
(١) سورة العنكبوت ، الآية ٤٠.
(٢) سورة البقرة ، الآية ٥٤.
(٣) سورة هود ، الآية ٤٨.
(٤) سورة المائدة ، الآية ٦١.
(٥) سورة النصر ، الآية ٣.
(٦) في مغني اللبيب ص ١٤٠ وقد اختلف في الباء في (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فقيل للمصاحبة ، والحمد مضاف إلى المفعول أي فسبحه حامداً له ، أي نزهه عما لا يليق به ... وقيل : للاستعانة ، والحمد مضاف إلى الفاعل ، أي سبحه بما حمد به نفسه ، إذ ليس كل تنزيه بمحمود.
(٧) سورة المؤمنون ، الآية ٢٠.
(٨) سورة آل عمران ، الآية ١٢٣.
(٩) سورة القمر ، الآية ٣٤.
(١٠) سورة القلم ، الآية ٦.