وإيَّايَا ويَايَا ويَايَهْ : كُلُّ ذلكَ زَجْرٌ للإِبِلِ ؛ واقْتَصَرَ الجَوْهرِي على الأُولى ، وقد أَيَّا بِها ؛ وأَنْشَدَ لذي الرُّمّة :
إذا قالَ حادِيهِمْ أيَايَا اتَّقَيْتُه |
|
بميل الذُّرَا مُطْلَنْفِئاتِ العَرائِكِ (١) |
قال ابنُ برِّي : والمَشْهورُ في البَيْتِ :
إذا قال حادِينا أيا عَجَسَتْ بِنا |
|
خِفافُ الخُطَا، الخ |
ثم إنَّ ذِكْرَه يَايَهْ هنا كأنَّه اسْتِطْرادٌ ، وإلَّا فمَوْضِع ذِكْرِه الهاء ، وتقدَّمَ هناك يَهْ يَهْ ويَايَهْ وقد يَهْيَه بها ، فتأَمَّل.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
وقد تكونُ إيَّا للتّحْذيرِ ، تقولُ : إيَّاكَ والأَسَدَ ، وهو بدلٌ مِن فِعْلٍ كأنَّك قُلْتَ باعِدْ ؛ ويقالُ هَيَّاكَ بالهاءِ ، وأَنْشَدَ الأخْفَش لمضَرِّسٍ :
فهِيَّاكَ والأَمْرَ الذي إنْ تَوسَّعَتْ
وقد تقدَّم.
وتقولُ : إيَّاكَ وأنْ تَفْعَلَ كذا ، ولا تَقُلْ إيَّاكَ أنْ تَفْعَلَ ، بِلا واوٍ ؛ وكذا في الصِّحاح.
وقال ابنُ كَيْسان : إذا قُلْتَ إيَّاك وزَيْداً ، فأنْتَ مُحَذِّرٌ مَن تُخاطِبُه مِن زَيْدٍ ، والفِعْلُ الناصِبُ لا يَظْهَرُ ، والمَعْنى أُحَذِّرُكَ زَيْداً ، كأنَّه قالَ أُحَذِّرُكَ إيَّاكَ وَزَيْداً ، فإيَّاكَ مُحَذِّر كأنَّه قالَ باعِدْ نَفْسَك عن زَيْدٍ باعِدْ زيْداً عنْك ، فقد صارَ الفِعْلُ عامِلاً في المُحَذَّرِ منه ، انتَهَى.
وقد تحذفُ الواوُ كما في قولِ الشاعرِ :
فإيَّاك إيَّاكَ المِراءَ فإنّه |
|
إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وللشَّرِّ جالِبُ (٢) |
يريدُ إيَّاكَ والمِراءَ ، فحذَفَ الواوَ لأنَّه بتأْوِيلِ إيَّاك وأَنْ تُمارِيَ ، فاسْتَحْسَن حذْفَها مع المِراءِ. وقال الشَّريشي عنْدَ قولِ الحَرِيرِي فإذا هو إِيَّاه ما نَصّه : اسْتَعْمل إيَّاهُ وهو ضَمِيرٌ مَنْصوبٌ في مَوْضِع الرَّفْعِ.
وهو غَيْرُ جائِزٍ عنْدَ سيبويه ، وجَوَّزَه الكِسائي في مسأَلَةٍ مَشْهورةٍ جَرَتْ بَيْنهما ، وقد بَيَّنها الفنجديهي في شرْحِه على المَقامَاتِ عن شيْخةِ ابنِ برِّي بما لا مَزِيدَ عليه فراجِعْه في الشرْحِ المذكورِ.
[الباء] : الباءُ : حَرْفُ هِجاءٍ مِن حُروفِ المُعْجم ومُخْرجُها مِنَ انْطِباقِ الشَّفَتَيْن قُرْبَ مَخْرج الفاءِ تُمَدُّ وتُقْصر ، وتُسَمَّى حَرْف جَرٍّ لكَوْنِها مِن حُروفِ الإضافَةِ ، لأنَّ وضْعَها على أن تُضِيفَ مَعانِيَ الأفْعالِ إلى الأسْماء.
ومَعانِيها مُخْتلفَةٌ وأَكْثَر ما تَرِدُ.
للإلْصاقِ لمَا ذُكِر قَبْلها مِن اسمٍ أو فِعْلٍ بما انْضَمَّت إليهِ.
قالَ الجَوْهرِي : هي مِن عوامِلِ الجرِّ وتَخْتصُّ بالدُّخولِ على الأسْماءِ ، وهي لإلْصاقِ الفِعْلِ بالمَفْعولِ به إمَّا حَقِيقيًّا كقولك : أَمْسَكْتُ بزَيْدٍ ؛ وإمَّا مَجازِيًّا نحو : مَرَرْتُ به ، كأنَّك أَلْصَقْتَ المُرورَ به ؛ كما في الصِّحاحِ.
وقالَ غيرُهُ : التَصَقَ مُرورِي بمَكانٍ يقرب منه ذلكَ الرَّجُل.
وفي اللّبابِ : الباءُ للإلْصاقِ إمَّا مُكَمِّلة للفِعْل نحو مَرَرْتُ بزَيْدٍ وبه دعاءٌ ، ومنه : أَقْسَمْت بالله وبحيَاتِكَ قسماً واسْتِعْطافاً ، ولا يكونُ مُسْتقرّاً إلَّا أنْ يكونَ الكَلامُ خَبَراً ، انتَهَى.
ودَخَلَتِ الباءُ في قولِه تعالى : (أَشْرَكُوا بِاللهِ) (٣) لأنَّ مَعْنى أَشْرَكَ بالله قَرَنَ به غيره (٤) ، وفيه إضْمارٌ. والباءُ للإلْصاقِ والقِرانِ ، ومَعْنى قولهم : وَكَّلْت بفلانٍ ، قَرَنْتُ به وَكِيلاً.
وللتَّعْدِيَةِ نحو قولهِ تعالى : ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ (٥) (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) (٦) ، أَي جعلَ
__________________
(١) هذه رواية الصحاح واللسان وفيهما «بمثل» بدل «بميل» ، ورواية الديوان ص ٤٢٧ الآتية بعد ، وهي في اللسان أيضاً والتكملة.
(٢) اللسان.
(٣) سورة آل عمران ، الآية ١٥١ وفيها «بما أشركوا».
(٤) عن التهذيب وبالأصل «غيرا».
(٥) سورة البقرة ، الآية ١٧.
(٦) سورة البقرة ، الآية ٢٠.