فإنَّه احْتاجَ إلى حذْفِ الياءِ فحفَّفها (١) ، وكانَ يوهم التَّكْثير (٢) في هذا فشَبَّه لامَ المَعْرفةِ بالتَّنْوينِ مِن حيثُ كانتْ هذه الأشْياء مِن خَواصِّ الأسْماء ، فحذِفَتِ الياءُ لأجْلِ اللامِ تَخْفِيفاً كما تَحْذِفُها لأَجْلِ التَّنْوينِ ؛ ومِثْله :
وما قَرْقَرُ قُمْرُ الوادِ بالشَّاهِق (٣)
وقال الجَوْهرِي : هي لُغَةٌ لبعضِ العَرَبِ يَحْذفُونَ الياءَ مِن الأَصْلِ مع الألِفِ واللامِ فيقولونَ في المُهْتَدِي المُهْتَدِ ، كما يَحْذفُونَهَا مع الإضافَةِ في مثْلِ قولِ الشاعِرِ ، وهو خُفافُ بنُ نُدْبة :
كنَواحِ رِيشِ حَمامةٍ نَجْدِيَّةٍ (٤)
أَرادَ : كنَواحِي ، فحذَفَ : الياءَ لمَّا أَضافَ كما كانَ يَحْذفُها مع التَّنْوينِ.
قال ابنُ برِّي : والصَّحيحُ أَنَّ حذْفَ الياءِ في البَيْتِ لضَرُورَةِ الشِّعْرِ لا غَيْر ، وكَذلكَ ذَكَرَه سيبويه ، انتَهَى.
وشاهِده مِن القُرْآن قولهُ تعالى : (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ) (٥) (بِها) ؛ وقولهُ تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (٦) ، وقولهُ تعالى : (مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) (٧) و (مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) (٨) و (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (٩).
جج أَي جَمْعُ الجَمْعِ : أَيادٍ ، هو جَمْعُ أَيْدٍ كأكْرُعٍ وأَكارعَ ؛ وخَصَّه الجَوْهرِي فقالَ : وقد جُمِعتِ الأيدِي في الشِّعْرِ على أَيادٍ ؛ قال الشاعرُ ، وهو جندلُ بنُ المثنى الطُّهَويُّ يصِفُ الثَّلج :
كأنَّه بالصَّحْصَحانِ الأَثْجَلِ |
|
قُطْنٌ سُخامٌ بأَيادِي غُزَّلِ (١٠) |
قال ابنُ برِّي : ومثْلُه قولُ الشاعرِ :
فأَمَّا واحداً فكفاكَ مِثْلي |
|
فمَنْ أَيْدٍ تُطاوِحُها الأيادِي (١١) |
وفي المُحْكم : وأَنْشَدَ أَبو الخطَّاب :
ساءَها ما تَأَمَّلَتْ في أَيادِي |
|
نَا وإِشْناقَها إلى الأعْناقِ (١٢) |
وقال أبو الهَيْثم : اليَدُ اسْمٌ على حَرْفَيْن ، وما كانَ مِن الأسامِي على حَرْفَيْن وقد حُذِفَ منه حَرْف فلا يُردُّ إلَّا في التَّصْغِير أَو في التَّثْنيةِ أَو الجَمْع ، ورُبَّما لم يُردَّ في التَّثْنيةِ ، ويُبْنى (١٣) على لَفْظِ الواحِدِ.
واليَدَى ، كالفَتَى : بمَعْناها ، أَي بمعْنَى اليَدِ.
وفي الصِّحاح : وبعضُ العَرَبِ يقولُ لليَدِ يَدَى مِثْلُ رَحَى ؛ قال الراجزُ :
يا رَبَّ سارٍ سارَ ما تَوَسَّدا |
|
إلَّا ذِراعَ العَنْسِ أَو كَفَّ اليَدَا (١٤) |
وفي المُحْكَم : اليَدَ لُغَةٌ في اليَدَ ، مُتَمماً على فَعَلٍ ؛ عن أَبي زيْدٍ ، وأَنْشَدَ قولَ الراجزِ : أَو كَفَّ اليَدَا ؛ وقالَ آخَر :
__________________
(١) في اللسان والصحاح : فحذفها.
(٢) في اللسان : التنكير.
(٣) البيت في اللسان وتمامه :
سيفي وما كنا بنجدٍ وما |
|
قرقر قمر الواد بالشاهق |
(٤) شعراء إسلاميون ، شعر خفاف بن ندبة ص ٥١٤ وعجزه :
ومسحت باللثتين عصف الإثمدِ
وانظر تخريجه فيه.
والبيت في اللسان والصحاح.
(٥) سورة الأعراف ، الآية ١٩٥.
(٦) سورة المائدة ، الآية ٦.
(٧) سورة البقرة ، الآية ٧٩.
(٨) سورة يس ، الآية ٧١.
(٩) سورة الشورى ، الآية ٣٠ وفيها «فبما».
(١٠) اللسان وفيه «الأنجل» ، والثاني في الصحاح.
(١١) اللسان وفيه «فمن ليدٍ» وكتب مصححه : قوله واحداً هو بالنصب في الأصل وفي المحكم «طوح» ، وفي اللسان : طوح ، «واحد» بالرفع.
(١٢) اللسان ، وبهامش المطبوعة المصرية : «قوله : ساءها الخ كذا بخطه وأنشده في اللسان في مادة شنق :
ساءها ما بنا تبين في الأي |
|
دي وأشناقها إلى الأعناق |
ولا شاهد فيه» وضبطت أشناقها فيه في مادة شنق بالرفع بينما ضبطت هنا بالنصب على أن الواو للمعية ، كتبه مصحح اللسان.
(١٣) في اللسان : ويثنى.
(١٤) اللسان والتهذيب والصحاح وفيه : «بات ما توسدا».