أَرَى ابنَ نِزارٍ قد جَفاني ومَلَّني |
|
على هَنَواتٍ شَأْنُها مُتَتابِعُ (١) |
فهَناتٌ على اللَّفْظِ ، وهَنَواتٌ على الأصْلِ.
قال ابنُ جنِّي : أَمَّا هَنْتُ فيدلُّ على أنَّ التاءَ فيها بدلٌ من الواوِ ، قَوْلهم هَنَواتٌ ؛ وأَنْشَدَ ابنُ برِّي :
أُرِيدُ هَناتٍ مِنْ هَنِينَ وتَلْتَوي |
|
عليَّ وآبى مِنْ هَنِينَ هَناتِ |
وأَنْشَدَ أَيْضاً للكُمَيْت :
وقالتْ ليَ النَّفْسُ أشْعَبِ الصَّدْعَ واهْتَبِلْ |
|
لإحْدى الهَناتِ المُعْضِلاتِ اهْتِبالَها |
والهَناتُ : الدَّاهِيَةُ ؛ كذا في النسخ ببَسْطِ تاءِ هَنَاتٍ ، والصَّوابُ أنَّها الهَناةُ بالهاءِ المَرْبوطَةِ ؛ كما في المُحْكمِ وغيرِهِ. وفي حديثِ سَطِيح : «ستكونُ هَناةٌ وهَناةٌ (٢)» ، أَي شَدائِدُ وأُمُورٌ عِظامٌ. وفي حديثٍ آخر : «ستكونُ هَناةٌ وهَناةٌ» ، أَي شُرورٌ وفَسادٌ ؛ ج هَنَواتٌ ، وقيلَ : واحِدُها هَنْتٌ وَهَنَةٌ تأْنِيثُ الهَنِ ، فهو كِنايَةٌ عن كلِّ اسْمِ جِنْسٍ.
وممَّا يُسْتدركُ عليه :
حكَى سِيبَوَيْه في تَثْنِيَةِ هَنِ المرأَةِ هَنانانِ ، ذَكَرَه مُسْتَشْهداً على أنَّ كِلا ليسَ مِن لَفْظِ كُلٍّ ، وشَرْحُ ذلكَ أنَّ هَنانانِ ليسَ تَثْنِيَة هَنٍ. وهو في مَعْناهُ كسِبَطْرٍ ليسَ مِن لَفْظِ سَبِط ، وهو في مَعْناهُ ؛ وقولُ الصحاح يصِفُ ركاباً قَطَعَتْ بلداً :
جافِينَ عُوجاً مِن جِحافِ النُّكَت |
|
وكَمْ طَوَيْنَ مِنْ هَنٍ وهَنَت. |
يُريدُ مِن أرضٍ ذَكَرٍ وأَرضٍ أُنْثى.
والهَناتُ : الكَلِماتُ والأرَاجيزُ ؛ ومنه حديثُ ابنِ الأَكْوع : «أَلا تُسْمِعُنا مِن هَناتِكَ» ، ويُرْوَى مِن هُنَيَّاتِكَ ، على التَّصْغيرِ ، وفي أُخْرى : مِن هُنَيْهاتِكَ. وفي حديثِ عُمَر : «وفي البَيْتِ هَناتٌ مِن قَرَظٍ» ، أَي قِطَعٌ مُتَفرِّقَةٌ.
ويقالُ : يا هَنَه أَقْبِل ، تُدْخِلُ فيه الهاءَ لبَيانِ الحَرَكَة كما تقولُ لِمَهْ ومالِيَه وسُلُطانِيَهْ ، ولَكَ أن تُشْبع الحَرَكَة فتقولُ : يا هَنَاهُ أقْبِلْ ، بضم الهاءِ وخَفْضِها ؛ حَكَاهُما الفرَّاء. فمَنْ ضمَّ الهاءَ قدَّرَ أَنَّها آخِرُ الاسْمِ ، ومَنْ كَسَرها فلاجْتِماع السَّاكِنَيْن ؛ ويقالُ في الاثْنَيْن على هذا المَذْهبِ : يا هَنانِيهِ أَقْبِلا ؛ قال الفرَّاء : كَسْر النونِ وإتْباعِها الياء أَكْثَر : ويقالُ في الجَمْعِ على هذا المَذْهَبِ : يا هَنْوناهُ أَقْبِلوا : ومَنْ قالَ للذَّكَر يا هَناهِ ، قال للمُؤَنَّث يا هَنَتاهُ أَقْبِلِي ، وللاثْنَيْن يا هَنْتانِيه ويا هَنْتاناهُ أَقْبِلا ، وللجَمْع مِن النِّساءِ يا هَناتاهُ ، كذا لابنِ الأَنْبارِي.
وقال الجَوْهرِي : يا هَناتوه ؛ وفي الصِّحاح : ولَكَ أَنْ تقولَ يا هَناهُ أَقْبِل ، بهاءٍ مَضْمومَةٍ ، ويا هَنانِيهِ أَقْبلا ويا هَنُوناهُ أقْبِلوا ، وحَرَكَة الهاءِ فيهن مُنْكرة ، ولكن هكذا رَواهُ الأخْفَش ؛ وأنْشَدَ أَبو زيْدٍ في نوادرِهِ لامرىءِ القَيْسِ :
وقد رابَني قوْلُها : يا هَنا |
|
هُ ويْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرًّا بشَرّ! (٣) |
قال : وهذه الهاء عنْدَ أَهْلِ الكُوفَةِ للوقْفِ ، أَلا تَرى أنَّه شَبَّهها بحرْفِ الإعْرابِ فضمَّهما؟ وقال أَهْلُ البَصْرةِ : هي بدلٌ من الواوِ في هَنُوكَ وهَنَوت ، فلذلكَ جازَ أَن تضمَّها.
قال ابنُ برِّي : ولكن حَكَى ابنُ السَّراج عن الأخْفَش أنَّ الهاءَ في هَناهُ هاءُ السَّكْت بدليلِ قوْلِهم : يا هَنانِيهْ ، واسْتَبْعَد قولَ مَنْ زَعَمَ أنّها بدلٌ من الواوِ لأنَّه يجبُ أَنْ يقالَ يا هَناهانِ في التَّثْنيةِ ، والمَشْهورُ يا هَنانِيهْ.
ثم قالَ الجَوْهري : وتقولُ في الإضافَةِ يا هَنِي أَقْبِلْ ، ويا هَنَيَّ أَقْبِلا ، بفتحِ النونِ ، ويا هَنِيَّ أَقْبِلُوا ، بكسْر النونِ.
وقال ابنُ سِيدَه ؛ : قال بعضُ النّحويِّين في قولِ امرىءِ القَيْسِ يا هَناهُ أَصْلُه هَناوٌ ، فأَبْدلَ الهاءَ مِن الواوِ في هَنَوات وهَنُوك ؛ ولو قالَ قائِلٌ : إنَّ الهاءَ في هَناهُ إنَّما هي
__________________
(١) اللسان والصحاح.
(٢) في اللسان والنهاية : «هَنَاتٌ وهَنَاتٌ» بتاء مبسوطة هنا في هذا الحديث ، وفي الحديث التالي أيضاً.
(٣) ديوانه ط بيروت ص ١١١ واللسان والصحاح بدون نسبة ، والأساس منسوباً لامرىء لقيس.