قال أبو الهَيْثم : هو كِنايَةٌ عن الشيءِ يُسْتَفْحَشُ ذِكْرُه ، تقولُ : لها هَنٌ تريدُ لها حِرٌ ، كما قالَ العُماني :
لها هَنٌ مُسْتَهْدَفُ الأرْكانِ |
|
أَقْمَرُ تَطْلِيهِ بزَعْفَرانِ |
كأَنَّ فيه فِلَقَ الرُّمَّانِ (١)
فكَنَّى عن الحِرِ بالهَنِ.
وظاهِرُ المصنِّفِ أنَّ الهَنَ إنَّما يُطْلَقُ على فَرْجِ المرْأَةِ فقط ، والصَّحِيحُ الإطْلاقُ ؛ ومنه الحديثُ : «أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ هَنِي ؛ يَعْني الفَرْجَ.
وفي حديثِ مُعاذ : «هَنٌ مِثْل الخَشَبَةِ غَيْر أنِّي لا أَكْني ، يَعْني أنَّه أَفْصَحَ باسْمِه ، فيكونُ قد قالَ أَيْرٌ مِثْلُ الخَشَبَةِ ، فلمَّا أَرادَ أَن يَحكِي كَنَى عنه.
وفي حديثٍ آخر : «مَنْ تَعَزَّى بعَزاءِ الجاهلِيَّةِ فأَعِضُّوه بهَنِ أَبيهِ ولا تَكْنُو» ، أَي قولوا له عَضَّ أَيْرَ أَبِيكَ ؛ وقَوْلُهم : مَنْ يَطُلْ هَنُ أَبيهِ يَنْتَطِقْ به ، أَي يَتَقَوَّى بإخْوتِه ؛ وقد مَرَّ في نطق ؛ وفي الصِّحاح قالَ الشاعرُ :
رُحْتِ وفي رِجْلَيْكِ ما فيهما |
|
وقد بَدَا هَنْكِ مِن المِئْزَرِ (٢) |
قال سيبويه : إنَّما سكَّنَه للضَّرُورَةِ.
قُلْت : هو للأُقَيْشِرِ ، وقد جاءَ في شِعْرِ الفَرَزْدق أَيْضاً وصَدْرُه :
وأَنْتِ لو باكَرْتِ مَشْمَولةً |
|
صَهْباء مِثْل الفَرَسِ الأَشْقَرِ |
قالَهُ وقد رأَتْه امْرأَةٌ وهو يَتَمايَلُ سكْراً.
قال الجَوْهرِي : ورُبَّما جاءَ مُشدّداً في الشِّعْر كما شَدّدوا لَوًّا ، قال الشاعرُ :
أَلا لَيْتَ شِعْري هَلْ أَبِيتَنَّ ليلةً |
|
وهَنّيُ جاذٍ بينَ لِهْزِمَتَيْ هَنِ؟ (٣) |
وهُما هَنانِ (٤) ، على القِياسِ ، وهَنَوانِ ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهرِي.
ويقالُ في النِّداء للرَّجُلِ مِن غَيْر أَن يُصَرَّحَ باسْمِه : يا هَنُ أَقْبِلْ ، أي يا رَجُلُ أَقْبِلْ ؛ ويا هَنانِ أَقْبِلا ، ويا هَنُونَ أَقْبِلُوا ؛ ولها : يا هَنَةُ أَقْبِلي ، ويقالُ : يا هَنْتُ أَقْبِلي ، بالفتح وسكونِ النونِ والتاءِ مَبْسوطَة ، لُغَةٌ في هَنَةٍ ، وعليها اقْتَصَرَ ابنُ الأنْبارِي.
قالَ الجَوْهرِي : جَعَلُوه كأُخْتٍ وبِنْتٍ ، قالَ : وهذه اللفْظَةُ تَخْتَصُّ بالنِّداءِ كما يَخْتصّ به قَوْلهم يا فُلُ ويا نَوْمانُ.
وفي المُحْكم : قالَ بعضُ النّحويِّين : هَنانِ وهَنُونَ أَسْماءَ لا تُنَكَّرُ أَبَداً لأنَّها كِناياتٌ وجارِيَة مجْرَى المُضْمَرةِ ، فإنّما هي أَسْماءٌ مَصُوغَة للتّثْنيةِ والجَمْع بمنْزلَةِ اللَّذَيْنِ والذِين ، وليسَ كَذلكَ سائِر الأسْماءِ المُثنَّاةِ نَحْو زَيْد وعَمْرو ، أَلا تَرى تَعْريفَ زَيْد وعَمْرو وإنَّما هو بالوَضْعِ والعِلْمِيَّة ، فإذا ثنَّيْتهما تنكَّرَ فقلْتَ : رأَيْت زيْدَيْن كَرِيمَيْن ، وعنْدِي عَمْرانِ عاقلانِ فإن آثَرْتَ التَّعْريفَ بالإِضافَةِ أَو باللامِ قلْتَ الزَّيدانِ والعَمْرانِ وزَيْداكَ وعَمْراكَ فقد تَعَرَّفا بعْدَ التّثْنِيةِ من غَيْر وَجْه تَعَرُّفهما قَبْلها ، ولحقا بالأَجْناسِ ففارَقا ما كانَا عليه مِن تَعْرِيفِ العِلْميَّةِ والوَضْعِ.
وقال اللّيْثُ : هَنٌ كلمةٌ يُكنى بها عن اسْمِ الإنسانِ ، كقوْلِكَ أَتاني هَنٌ وأَتَتْني هَنَةٌ ، النونُ مَفْتوحَةٌ في هَنَة ، إذا وَقَفْتَ عنْدَها ، لظهورِ الهاءِ ، فإذا أَدْرَجْتها في كلامٍ تَصِلُها به سكَّنْت النونَ لأنَّها بُنِيت في الأصْلِ على السكونِ ، فإذا ذَهَبَتِ الهاءُ وجاءَتِ التاءُ حَسُنَ تَسْكِين النونِ مع التاءِ ، ثم تَصْرِفها لأنَّها مَعْرفةٌ للمُؤَنَّثِ.
ج هَنَاتٌ ؛ ومن رَدَّ قالَ : هَنَواتٌ ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِي :
__________________
(١) اللسان والتهذيب.
(٢) اللسان والصحاح.
(٣) اللسان والصحاح بدون نسبة.
(٤) على هامش القاموس عن نسخة : وهَنَتَانِ.