الجَمْرَةُ ، وبها مَصانِعُ وآبارٌ وخاناتٌ وحَوانِيتٌ ، وهي بينَ جَبَلَيْن مُطِلَّيْن عليها ؛ قالَ : وكانَ أَبو الحَسَنِ الكرخي يَحْتَجُّ بجوازِ الجُمُعَةِ بها أَنَّها من مكَّةَ كمِصْرٍ واحِدٍ ، فلمَّا حَجَّ أَبو بكْرٍ الجصَّاص ورأَى بُعْدَ ما بَيْنهما اسْتَضْعَف هذه العلَّةَ وقالَ : هذه مِصْرٌ مِن أمْصارِ المُسْلِمِين تعمّرُ وَقْتاً وتَخْلُو وَقْتاً ، وخُلُوُّها لا يُخْرِجُها عن حَدّ الأمْصارِ ، وعلى هذه العلَّةِ كانَ يَعْتَمِدُ القاضِي أَبو الحُسَيْن (١) القَزْوِينِي.
قالَ البشّارِي : وسأَلَنِي يَوْماً كم يَسْكنُها وسَطَ السَّنَةِ مِن الناسِ؟ قُلْتُ : عِشْرُونَ إلى الثَّلاثِينَ رجُلاً ، وقلَّ أن تجِدَ مَضْرباً إلا وفيه امْرأَةٌ تَحْفَظه ؛ فقالَ : صَدَقَ أَبو بَكْرٍ وأَصابَ فيمَا عَلَّلَ ؛ قال : فلما لَقِيت الفَقِيه أَبا حَامِدٍ البغولني (٢) بنَيْسابُورَ حَكَيْتُ له ذلكَ ، فقالَ : العلَّةُ ما نَصّها الشَّيْخ أَبو الحَسَن ، أَلَا تَرَى إلى قولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ : (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٣) ؛ وقالَ : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (٤). وإنَّما يَقَعُ النّحْرُ بمِنَى.
ومِنى : ع آخَرُ بنَجْدٍ.
قالَ نَصْر : هي هضبَةٌ قُرْبَ ضرية في ديارِ غَنِيٍّ بنِ أَعْصر زادَ غيرُهُ : بينَ طخفَةَ وأَضاخَ ، وبه فسّر قولَ لبيدٍ :
عَفَتِ الدِّيارُ محلُّها فمُقامُها |
|
بمِنَى تَأَبَّدَ غَوْلُها فرِجامُها (٥) |
وأَيْضاً : ماءٌ قُرْبَ ضَرِيَّةَ في سَفْحِ جَبَل أَحْمرِ مِن جِبالِ بَني كِلابٍ للضِّبابِ منهم ؛ قالَهُ نَصْر وضَبَطَه كغَنِيٍّ ، بالتَّشْديدِ.
ونقلَ ياقوت عن الأصْمعي : أنَّ مِنَى جَبَلٌ حَوْلَ حمى ضَرِيَّة ؛ وأَنْشَد :
أَتْبَعْتهم مُقْلَةً إنْسانُها غَرِقٌ |
|
كالفَصّ في رَقْراق الدَّمْعِ مَغْمُورُ |
حتى تَوارَوا بشَعْفِ والجِبَال بِهم |
|
عن هضب غَوْلٍ وعن جَنْبي مِنًى زورُ (٦) |
وأَمْنَى الرَّجُلُ ؛ عن ابنِ الأعْرابِي ؛ وامْتَنَى ؛ عن يُونس ؛ أَتَى مِنَى أَو نَزَلَها ؛ التَّفْسِير الأوَّل ليونس ، والثاني لابنِ الأعْرابي ؛ ومِن ذلكَ لُغْز الحَريرِي في فتْيَا العَرَبِ : هل يَجِبُ الغُسْل على مَنْ أَمْنَى ؛ قالَ : لا ولو ثنى.
وتمنَّاهُ تَمَنّياً : أَرادَهُ.
قال ثَعْلَب : التَّمنِّي حديثُ النَّفْسِ بما يكونُ وبما لا يكونُ.
وقال ابنُ الأثير : التَّمنِّي تَشَهِّي حُصُولِ الأمْر المَرْغوب فيه.
وقال ابنُ دُرَيْدٍ : تَمَنَّيْتُ الشيءَ أَي قَدَّرْتُه وأَحْبَبْتُ أَن يَصِيرَ إليَّ مِن المَنى وهو القَدر.
وقال الرَّاغبُ : التمنِّي تَقْديرُ شيءٍ في النَّفْسِ وتَصْوِيرُه فيها ؛ وذلك قد يكونُ عن تَخْمِين وظَنِّ ، ويكونُ عن رَوِيَّةٍ وبِناء على أَصْلٍ ، لكن لما كان أَكْثَره عن تَخْمِين صارَ الكَذِبُ له أَمْلَك فأَكْثَر التَّمنِّي تَصَوّر ما لا حَقِيقَةَ له.
ومَنَّاهُ إيَّاه ومَنَّاهُ به تَمْنِيَةً : جَعَلَ له أُمْنِيّته ؛ ومنه قولُه تعالى : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) (٧) وهي المُنْيَةُ ، بالضَّمِّ والكسر ، والأُمْنِيَّةُ ، بالضَّمِّ ، وهي أُفْعُولَةٌ وجَمْعُها الأماني. قالَ اللَّيْث : رُبَّما طُرِحَتِ الهَمْزَةُ فقيلَ مُنْيَة على فُعْلَة.
قالَ الأزْهرِي : وهذا لَحْنٌ عنْدَ الفُصَحاءِ إنَّما يقالُ مُنْية على فُعْلَة وجَمْعُها مُنًى ، ويقالُ : أُمْنِيَّةٌ على أُفْعُولَة ، وجَمْعُها أَمانيُّ بتَشْديد الياءِ وتَخْفِيفِها.
وقال الرَّاغبُ : الأُمْنِيَّةُ الصُّورَةُ الحاصِلَةُ في النَّفْسِ مِن تَمَنّى الشَّيء. وشاهِدُ المنى أَنْشَدَه القالِي :
كأَنَّا لا تَرانا تارِكِيها |
|
بعِلَّةِ باطِل ومُنَى اغْتِرارِ |
__________________
(١) في ياقوت : «أبو الحسن» وسيأتي.
(٢) كذا ، وفي ياقوت : البغوي.
(٣) سورة الحج ، الآية ٣٣.
(٤) سورة المائدة ، الآية ٩٥.
(٥) مطلع معلقته ، ديوانه ص ١٦٣ واللسان.
(٦) معجم البلدان : «منى» بدون نسبة ، وفيه : «والجمال بهم».
(٧) سورة النساء ، الآية ١١٩.