وشاهِدُ الأمانيِّ قولُ كَعْب :
فلا يَغُرَّنَّكَ ما مَنَّتْ وما وَعَدَتْ |
|
إنَّ الأمانيَّ والأحْلامَ تَضْلِيلُ (١)! |
وتَمَنَّى تَمَنِّياً : كَذَبَ ، وهو تَفَعُّل مِن مَنَى يَمْنِي إذا قَدَّرَ لأنَّ الكاذِبَ يُقدِّرُ في نَفْسِه الحديثَ.
وقال الرَّاغِبُ : لمَّا كانَ الكَذِبُ تَصَوُّر ما لا حَقِيقَةَ له وإيرَاده باللّفْظِ صارَ التَّمَنِّي كالمَبْدإ للكَذِبِ فصحَّ أنْ يُعَبَّرَ عن الكذِبِ بالتَّمنِّي ، وعلى ذلكَ ما
رُوِي عن عُثْمان ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه : ما تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْت ، أَي ما كَذَبْت ، انتَهَى.
ويقالُ : هو مَقْلُوبُ تمين مِن المَيْنِ وهو الكذِبُ.
وتَمَنَّى الكِتابَ : قَرَأَهُ وكَتَبَه ؛ وبه فُسِّر قولُه تعالى : (إِلّا إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (٢) ؛ أَي قَرَأَ وتَلا فَأَلْقَى فِي تِلاوَتِه ما ليسَ فيه ؛ قالَ الشاعرُ يَرْثي عُثْمان ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه :
تَمَنَّى كتابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِه |
|
وآخِرَه لاقَى حِمامَ المَقادِرِ (٣) |
وقالَ آخَرُ :
تَمَنَّى كتابَ اللهِ آخِرَ لَيْلةٍ |
|
تَمَنِّيَ داودَ الزَّبُورَ على رِسْلِ |
أَي تَلا كتابَ اللهِ مُتَرسِّلٍا فيه.
قالَ الأزْهري : والتَّلَاوَةُ سُمِّيَت أُمْنِيَّة لأنَّ تَالِي القُرْآنِ إذا مَرَّ بآيَةِ رَحْمَةٍ تَمَنَّاها ، وإذا مَرَّ بآيَةِ عَذَابٍ تَمَنَّى أَن يُوقَّاه.
وقالَ الرَّاغِبُ : قولُه تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلّا أَمانِيَّ) (٤). قالَ مجاهد : مَعْناه إلَّا كذِباً ؛ وقال غيرُهُ : إلَّا تِلاوَةً. وقولُه تعالى : (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (٥) ؛ وقد تقدَّمَ أَنَّ التَّمنِّي كما يكونُ عن تَخْمِين وظنِّ قد يكونُ عن رَوِيَّةٍ وبناءٍ على أَصْلٍ ، ولمَّا كانَ النَّبيُّ صلىاللهعليهوسلم ، كثيراً ما كانَ يُبادِرُ إلى ما نَزَلَ به الرُّوحُ الأمِين على قَلْبِه حتى قيلَ له : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (٦) ، (... لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (٧) ، سَمَّى تِلاوَتَه على ذلكَ تَمَنِّياً ونَبَّه أنَّ للشَّيْطانِ تَسَلّطاً على مثْلِه في أُمْنِيَّتِه ، وذلكَ من حيثُ بَيَّن أنَّ العَجَلَةَ من الشَّيْطانِ.
وتَمَنَّى الحديثَ : اخْترَعَهُ وافْتَعَلَهُ ولا أَصْلَ له ؛ ومنه قولُ رَجُل لابن دَأْبٍ وهو يُحدِّثُ : هذا شيءٌ رَوَيْتَه أَمْ شيءٌ تَمَنَّيْتَه؟ أَي افْتَعَلْتَه واخْتَلَقْتَه ولا أَصْلَ له. ويقولُ الرَّجُل : والله ما تَمَنَّيْت هذا الكلامَ ولا اخْتَلَقْته.
والمُنْيَةُ ، بالضَّمِّ ويُكْسَرُ ؛ عن ابنِ سِيدَه ، واقْتَصَر الجَوْهرِي على الضم. ونَقَلَ ابنُ السِّكِّيت عن الفرَّاء الضم والكسَر معاً ؛ والمَنْوَةُ (٨) ، بالفتح ، كذا في النسخِ والصَّوابُ المَنُوَّةُ ، بفتحٍ فضمٍ فتَشْديدِ واو ؛ أَيامُ النَّاقةِ التي لم يُسْتَيْقَنْ ؛ وفي المُحْكم : لم يَسْتَبِنْ ؛ فيها لِقاحُها من حِيالها. ويقالُ للناقَةِ في أَوَّل ما تُضْرَبُ : هي في مُنْيَتِها ، وذلك ما لم يَعْلَموا بها حَمْل أَمْ لا. فمُنْيَةُ البِكْرِ التي لم تَحْمِلْ عَشْرُ لَيالٍ ومُنْيَةُ الثَّنيِّ : وهو البَطْنُ الثَّاني ، خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ، قيلَ : وهي مُنْتَهى الأيَّام ثم بَعْد مُضِي ذلكَ تُعْرَفُ أَلاقحٌ هي أمْ لا ؛ هذا نَصُّ ابنِ سِيدَه.
وقال الجَوْهرِي : مُنْيَةُ الناقَةِ الأيامُ التي يُتَعَرَّفُ فيها أَلاقحٌ هي أَمْ لا ، وهي ما بينَ ضِرابِ الفَحْلِ إيَّاها وبينَ خَمْس عَشْرَةَ لَيْلة ، وهي الأيَّام التي يُسْتَبْرَأُ فيها لَقاحُها من حِيالِها. يقالُ : هي في مُنْيَتها ، انتهى.
وقال الأصْمعي : المُنْيَةُ مِن سَبْعَةِ أَيَّام إلى خَمْسَة عَشَرَ يَوْماً تُسْتَبْرأُ فيها الناقَةُ تردُّ إلى الفَحْل فإن قرَّت عُلِم ، أنَّها لم تَحْمِلْ ، وإن لم تقرّ عُلِمَ أنَّها قد حَمَلَتْ ؛ نقلَهُ القالِي.
__________________
(١) من قصيدته بانت سعاد ، شرح ابن هشام ص ٢٤.
(٢) سورة الحج ، الآية ٥٢.
(٣) اللسان وفي النهاية : «أول ليلة وآخرها ...».
(٤) سورة البقرة ، الآية ٧٨.
(٥) سورة الحج ، الآية ٥٢.
(٦) سورة طه ، الآية ١١٤.
(٧) سورة القيامة ، الآية ١٦.
(٨) في القاموس : بالضم ، وضبطه عاصم بوزن غرفة.