ما بالُها بالليْلِ زالَ زَوالُها (١)
بالرَّفْع ، ويقولُ : هذا إقْواءٌ ، وهو عنْدَ الناسِ الإكْفاء ، وهو اخْتِلافُ إعْرابِ القَوافِي ، وقد أَقْوَى الشاعِرُ إقْواءً.
وقالَ ابنُ سِيدَه : أَقْوَى في الشِّعْرِ خالَفَ بينَ قَوافِيَه ، هذا قولُ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وقالَ الأخْفَش : هو رَفْعُ بيتٍ وجَرُّ آخَر نَحْو قولِ الشاعرِ :
لا بَأْسَ بالقَوْمِ مِن طُولٍ ومِن عِظَمٍ |
|
جِسْمُ البِغالِ وأَحْلامُ العَصافيرِ |
ثم قالَ :
كأنَّهُمْ قَصَبٌ جُوفٌ أَسافِلُه |
|
مُنَقَّبٌ نَفَخَتْ فيه الأعاصيرُ |
قالَ : وسَمعْتُ هذا من العَرَبِ كثيراً لا أُحصِي.
وقَلَّتْ قصِيدَةٌ لهُم يُنْشِدُونا بِلا إقْواءٍ ، ثم لا يَسْتَنْكِرُونَهُ لأنَّه لا يَكْسرُ الشِّعْرَ ، وأَيْضاً فإنَّ كلَّ بيتٍ منها كأنَّه شِعْرٌ على حِيالِه.
قالَ ابنُ جنِّي : أَمَّا سعة (٢) الإقْواء عن العَرَبِ فبحيثُ لا يُرْتابُ بها لكنَّ ذلكَ في اجْتِماعِ الرَّفْع مع الجرِّ.
وأَمَّا الإقْواءُ بالنَّصْبِ فَقَلِيلٌ ، وذلك لمُفارَقَةِ الألِف الياء والواو ومُشابَهَ كُلّ واحِدَةٍ منهما جمِيعاً أُخْتها ، فمن ذلكَ ما أَنْشَدَه أَبو عليِّ :
فيَحْيَى كانَ أَحْسَنَ مِنْكَ وَجْهاً |
|
وأَحْسَنَ في المُعَصْفَرَةِ ارْتِدَاءَ |
ثم قال :
وفي قَلْبِي على يَحْيَى البَلاء
وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابِي :
عَشَّيْتُ جابانَ حتى اسْتَدَّ مَغْرِضُه |
|
وكادَ يَهْلِك لو لا أنَّه طافا |
قُولَا لجابانَ فَلْيَلْحَقْ بطِيَّتِهِ |
|
نَوْمُ الضُّحَى بعدَ نَوْمِ الليلِ إسْرافُ |
قالَ ابنُ جنِّي : وبالجملةِ إنَّ الإقْواءَ وإن كانَ عَيْباً لاخْتِلافِ الصَّوْت به فإنَّه قد كَثُر في كَلامِهم.
واقْتَواهُ : اخْتَصَّهُ لنَفْسِه.
والتَّقاوِي : تَزايُدُ الشُّركاءِ ، تَفاعلٌ من القُوَّةِ. وفي حديثِ ابنِ سِيرِيْن : «لم يَكُنْ بأساً بالشُّركاءِ يتَقاوَوْنَ المَتَاعَ بينهم فيَنْمى ويَزِيدُ».
التَّقاوِي بينَ الشُّركاءِ : أن يَشْتَرُوا سِلْعَةً رَخِيصَةً ثم يَتَزايدُوا بَيْنهم حتى يَبْلُغوا غايَةَ ثَمنِها. يقالُ : بَيْني وبينَ فلانٍ ثَوْب فتَقاوَيْناهُ أَعْطَيْته به ثمناً فأَخَذْته أَو أَعْطاني به ثمناً فأَخَذَه.
والتَّقاوِي : البَيْتُوتَةُ على القَوَى ، بالفَتْح ، وهو الجُوعُ ؛ نقلَهُ الزَّمَخْشري.
والقِيُّ ، بالكسْرِ : قَفْرُ الأرضِ أَبْدلُوا الواوَ ياءَ طلباً للخفَّةِ وكَسرُوا القافَ لمجاوَرَتِها الياء ؛ قال العجَّاج :
وبَلْدَةٍ نِياطُها نَطِيُّ |
|
قِيّ تُناصِيها بلادٌ قِيُّ (٣) |
ومنه الحديثُ : «مَنْ صَلَّى بقِيِّ من الأرضِ» ؛ كالقِواءِ ، بالكسْرِ (٤) والمدِّ ؛ هكذا في النسخِ والصَّوابُ كالقِوا بالقَصْر والمدِّ ، كما هو نَصُّ الصِّحاح وغيرِهِ ، ولم يُذْكر الكَسْر في أصْلٍ مِن الأُصُولِ ، وهَمْزَة القِواءِ مُنْقَلِبَة عن واوٍ ، وإِنَّما لم يُدْغَم قَوِيَ وأُدْغِمَت قِيُّ لاخْتِلافِ الحَرْفَيْنِ ، وهُما مُتَحرِّكانِ ، وأُدْغِمَت في قوْلِكَ لَوَيْتُ لَيًّا ، وأَصْلُه لَوْياً مع اخْتِلافِهما ، لأنَّ الأُولى منهما ساكِنَةٌ قُلِبَتْ ياء وأُدْغِمَت ؛ وشاهِدُ القَواءِ قولُ جريرٍ :
__________________
(١) ديوانه ط بيروت ص ١٥٠ وصدره :
هذا النهار بدا لها من همها
وقبله :
رحلت سمية غدوةً أجمالها |
|
غضبى عليك فما تقول بدا لَهَا |
والقصيدة منصوبة القافية.
(٢) في اللسان : سمعه.
(٣) اللسان والثاني في الصحاح والتهذيب.
(٤) في الصحاح واللسان والتهذيب والمقاييس بالفتح ضبط حركات.