قالَ الجوهريُّ : أَي صَعِدَ ؛ وهو تَفْسيرُ ابنِ عبَّاس ، ويَعْني بقَوْله ذلكَ أَي صَعِدَ أَمْرَه إليه ، قالَهُ أَبو إسْحاقِ.
أَو عَمَدَ إليها ، أَو قَصَدَ إليها ، كما تقولُ : فَرَغَ الأَميرُ مِن بَلَدِ كذا ثم اسْتَوَى إلى بَلَدِ كذا ، مَعْناه قَصَدَ الاسْتِواء إليه ؛ قالَهُ أَبو إسْحق.
او أَقْبَلَ عليها ؛ عن ثَعْلَب.
وقالَ الفرَّاءُ : مِن مَعانِي الاسْتِواءِ أَنْ يقولَ كانَ فلانٌ مُقْبلاً على فلانٍ ثم اسْتَوَى عليَّ وإليَّ يُشاتِمُنِي على ، مَعْنى أَقْبَل ، فهذا مَعْنى (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ).
أَو اسْتَوْلَى وظَهَرَ ؛ نقلَهُ الجوهريُّ ولكنَّه لم يُفَسِّر به الآيَةَ المَذْكورَة.
قالَ الرَّاغبُ : ومَتَى ما عُدِّي بعلى اقْتَضَى مَعْنى الاسْتِيلاءِ كقوْلِه ، عزوجل : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (١) ؛ ومنه قَوْل الأَخْطَل أَنْشَدَه الجوهرِيُّ :
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاق |
|
من غَيرِ سَيْفَ ودَمٍ مُهْراق (٢) |
ثم قالَ الرَّاغبُ : وقيلَ مَعْناه اسْتَوَى كلّ شيءٍ في النِّسْبَةِ إليه ، فلا شيءَ أَقْرَب إليه مِن شيءٍ إذ كانَ ، عزَّ وجَلَّ ، ليسَ كالأَجْسامِ الحالَّةِ في مَكانٍ دُونَ مكانٍ.
ومَكانٌ سَوِيٌّ ، كغَنِيِّ ، وسِيٌّ ، كزِيِّ : أَي مُسْتَوٍ طَرَفاهُ في المسافَةِ.
وسَوّاهُ تَسْوِيَةً وأَسْواهُ : جَعَلَهُ سَوِيّاً ؛ ومنه قوْلُه تعالى : (فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ).
قالَ الرَّاغبُ : تَسْوِيَةُ الشيءِ جَعْلَه سَواء إمَّا في الرّفْعَةِ أَو في الضِّعَةِ.
وقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ) (٣) ، أَي جَعَلَ خَلْقَكَ على ما اقْتَضَتِ الحكْمَةُ. وقوْلُه تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوّاها) (٤) إشارَة إلى القوى التي جَعَلَها مُقَوِّيَة للنَّفْس فنَسَبَ الفِعْل إليها ، وقد ذكرَ في غيرِ هذا الموْضِعِ أَنَّ الفِعْل كما يصح أن (٥) يُنْسَبَ إلى الفاعِلِ يصحُّ أَن يُنْسَبَ إلى الآلَةِ وسَائِر ما يَفْتَقِر الفِعْل إليه نَحْو سَيْفٌ قاطِعٌ قالَ : وهذا الوَجْه أَوْلى مِن قَوْل مَنْ قالَ : أَرادَ (وَنَفْسٍ وَما سَوّاها) يَعْني الله تعالى ، فإنَّ ما لا يُعَبَّر به عن اللهِ تعالى إذ هو مَوْضُوع للجِنْس ولم يرد به سَمْع يَصِحّ.
وأَمَّا قوْلُه ، عزوجل : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى) (٦) ، فالفِعْل مَنْسوبٌ إليه ؛ وكذا قَوْلُه : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (٧).
وقوله تعالى : (رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها) (٨) ، يتَضَمَّن بناءَها وتَزْيِينَها المَذْكُور في قوْلِه عزوجل : (إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) (٩).
وقوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (١٠) ، قيلَ : نجْعَلُ كفَّه كخفِّ الجَملِ لا أَصابعَ لها ؛ وقيلَ : بل نَجْعَل أَصابِعَه كُلَّها على قدر (١١) واحِدٍ حتى لا يَنْتَفِع بها وذلك أَنَّ الحكْمَةَ في كوْنِ الأصابعِ مُتَفاوِتَة في القدر (١٢) والهَيْئةِ ، ظاهِرَة إذ كانَ تَعاونَها على القَبْض أَن يكونَ كَذلِكَ.
وقوله تعالى : (بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها) (١٣) ، أَي سَوَّى بِلادَهم بالأَرْضِ ، نَحْو (خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (١٤).
واسْتَوَتْ به الأرضُ ، وتَسَوَّتْ وسُوِّيَتْ عليه ، كُلُّه ، أَي
__________________
(١) سورة طه ، الآية ٥.
(٢) اللسان والصحاح بدون نسبة.
(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٩.
(٤) سورة الانفطار ، الآية ٧.
(٥) سورة الشمس ، الآية ٧.
(٦) زيادة عن المفردات.
(٧) سورة الأعلى ، الآية ٢.
(٨) سورة الحجر ، الآية ٢٩.
(٩) سورة النازعات ، الآية ٢٨.
(١٠) سورة الصافات ، الآية ٦.
(١١) سورة القيامة ، الآية ٤.
(١٢) بالأصل «قد ... القد» والتصويب عن المفردات.
(١٣) سورة الشمس ، الآية ١٤.
(١٤) سورة الحج ، الآية ٤٥.