فصل الهمزة مع الواو والياء
[أبي] : ي أَبَى الشَّيْءَ يَأْبَاهُ بالفتح فيهما مع خُلُوِّهِ من حروف الحَلْقِ وَهُوَ شاذٌّ ، وقال يعقوب : أَبَى يأْبَى نادرٌ.
وقال سيبويه : شبهوا الألفَ بالهمزة في قرأ يقرأ ، وقال مرة أبى يأبى ضارَعُوا به حَسَبَ يَحْسِبُ فَتَحُوا كما كسروا ، وقال الفراء : لم يجئ عن العرب حَرْفٌ على فَعَلَ يَفْعَلُ مفتوح العين في الماضي والغابر إلّا وثانيه أو ثالثُهُ أحد حروف الحلق غير أَبَى يأبَى ، وزاد أبو عمرو رَكَنَ يَرْكَنُ ، وخالفه الفرَّاء فقال : إنما يقال رَكَنَ يَرْكُنُ ورَكِنَ يَرْكَنُ.
* قلت وهو من تَدَاخُلِ اللغتين ، وزادَ ثعلبٌ : قَلاهَ يقلاه وغَشَى يَغْشَى (١) وشجا يَشْجَى ، وزادَ المبرّد جَبَا يَجْبَى.
قلت : وقال أبو جعفر اللَّبليّ في بغية الآمال سَبْعَ عشرة كلمة شذَّتْ ستة عُدَّتْ في الصحيح واثنتان في المضاعَفِ وتسعة في المعتلِّ فعدَّ منها ركن يركن وهلك يهلك وقنط يقنط.
قلت : وهذه حكاها الجوهريّ عن الأخفش ، وحضر يحضر ونضر ينضر وفضل يفضل هذه الثلاثة ذكرهن أبو بكر بن طلحة الإشبيلي ، وعضضتُ تعض حكاها ابن القطاع ، وبضَّتِ المرأة تَبَضُّ عن يعقوب ، وفي المعتل أبَى يأبَى ، وَجَبا الماء في الحوض يَجْبَى ، وقَلَى يَقْلَى ، وَخَظَى يَخْظَى إذا سمن ، وغَسَى الليلُ يَغْسَى (٢) إذا أظلم ، وَسَلَى يَسْلَى وَشَجَى يَشْجَى ، وَعَثَى يَعْثَى إذا أفسد ، وَعَلَى يَعْلَى ، وقد سمع في مثال المضاعف وما بَعْدَه مجيئهما على القياس ما عدا أَبى يَأْبَى فإنه مفتوح فيهما متفِقٌ عليه من بينها من غير اختلافِ ، وقد بينت ذلك في رسالة التَّصْرِيف ، قال ابن جنّيّ وقد قالوا : أباه يَأْبِيهِ على وَجْهِ القياس كَأتى يأتِي ، وأنشد أبو زيد :
يا إبلي ما ذامُهُ فتأبِيَهْ |
|
ماءٌ رُواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلِيَهْ (٣) |
فقول شيخنا : ويأبِيه بالكسر وإن اقتضاه القياس فقد قالوا إنه غيرُ مسموع مردودٌ لما نقله ابن جني عن أبي زيد ، وقال أيضاً : قوله أَبَى الشيءَ يأباه ويأبيه جرى فيه على خلاف اصطلاحه ، لأن تكرار المضارع يدلُّ على الضم والكسر لا الفتح ، وكأنه اعتمدَ على الشّهْرِةِ قال ابن بَريّ : وقد يُكْسَرُ أَوّلُ المضارع فيقال تِئْبَى وأنشد :
ماءٌ رُواءٌ وَنَصِيٌّ حَوْلِيَهْ |
|
هذا بأَفْواهِكَ حَتَّى تِئْبِيَه (٤) |
* قلت : وقال سيبويه : وقالوا يِئْبَى وهو شاذٌ من وَجْهَيْنِ : أحدَهُما : أنه فَعَلَ يَفْعَلُ وما كان عَلَى فَعَلَ لم يكسر أوله في المضارع فكسروا هذا لأن مضارعه مشاكلٌ لمضارع فَعِل فكما كَسِرَ أول مضارع فَعِل في جميع اللغات إلا في لغة أهل الحجاز كذلك كَسَرُوا يَفْعل هنا.
والوجه الثاني : من الشُّذوذ أنهم تَجَوَّزوا الكسر في ياء يِئْبَى ، ولا تُكْسَر البتة إلا في نحو يَبْجَلُ ، واستجازوا هذا الشذوذ في ياء يِئْبَى لأن الشذوذ قد كثر في هذه الكلمة إباءً وإباءة بكسرهِما فهو آبٍ وَأَبِيّ وَأبيانِ بالتحريك ، أنشد ابن بَرِّي لبشر بن أبي خازم :
يَرَاهُ النَّاسُ أخْضَرَ مِنْ بَعِيدٍ |
|
وَتَمْنَعُهُ المَرَارَة وَالإِباءُ (٥) |
كرِهه قال شيخنا : فَسَّر الإباء هنا بالكره ، وفسر الكره فيما مضى بالإباء على عادته ، وكثير يفرِّقون بينهما فيقولون : الإباء هو الامتناع عن الشيء والكراهية له بغضه وعدم ملايمته وفي المحكم قال الفارسي : أبى زيد من شرب الماء وآبَيْتُهُ إيّاهُ قال ساعدة بن جؤية :
قَدْ أوبِيَتْ كُلَّ ماءٍ فَهِيَ صَادِيةٌ |
|
مَهْما تُصِبْ أُفُقاً من بارقٍ تَشِمِ (٦) |
__________________
(١) في المطبوعة المصرية : وغسى يغسى بالسين المهملة. والتصحيح عن التهذيب واللسان.
(٢) في التهذيب : وعشى الليل يعشو ، إذا أظلم.
(٣) اللسان.
(٤) اللسان.
(٥) اللسان.
(٦) شرح أشعار الهذليين ٣ / ١١٢٨ برواية : «فهي طاوية» وفي شرحه : أو بيته. منعته. واللسان والصحاح.