باب الواو والياء
قال الأزهريّ : يقال للواو والياء والألف الأحرف الجُوف ، وكان الخليل يُسَمِّيها الأحرفَ الضعيفة الهوائية ، وسميت جُوفاً لأنه لا أحْيَازَ لها فتنسب إلى أحيازِها كسائر الحروف التي لها أحيازٌ إنما تخرج مِنْ هَواءِ الجَوْفِ فَسُمِّيتْ مَرَّةً جُوفاً ومرةً هوائية ، وسميت ضعيفة لانتقالها من حال عند التصرُّف باعتلال انتهى.
وقال شيخنا : الواو أبدلَت من ثلاثةِ أحرف في القياس : ألف ضارب قالوا في تصغيره ضُوَيْرِب ، والياء الواقعة بعد ضم كَمُوقِن من أَيْقَنَ ، والهمزة كذلك كمومن من آمن ، وما عدا ذلك إن ورد كان شاذّاً ، وأما الياء فقد قالوا إنها أوْسَع حُرُوفِ الإبدال ، يقالُ إنها أبدلت من نحو ثمانيةَ عَشَرَ حَرْفاً أوردها المرادِيُّ وَغَيْرُه انتهى.
وقال الجوهريُّ جميع ما في هذا الباب من الألف إمّا أن تكونَ مُنقلبةً من واوٍ مثل دعا ، أو من ياء مثل رمى ، وكل ما فيه من الهمزة فهي مبدلة من الياء أو الواو نحو القضاء ، وأصله قضاي ، لأنه من قضيت ، ونحو الغِراء (١) وأصلِه غِرَاو لأنه من غَرَوْتُ ، قال : ونحن نشير في الواو والياء إلى أصولهما ، هذا ترتيب الجوهريّ في صحاحه ، وأمّا ابن سيده وغيره فإنهم جعلوا المعتلَّ عن الواو باباً ، والمعتلّ عن الياء باباً ، فاحتاجوا فيما هو معتلٌّ عن الواو والياء إلى أن ذكروه في البابين فأطالوا وكَرَّروا ، وتقسم الشرح في الموضعين.
قلت : وإلى هذا الترتيب مال المصنِّفُ تبعاً لهؤلاء ، ولا عبرة بقوله في الخطبة إنه اختصَّ به من دونهم ، وقد ذكر أبو محمد الحريرّي رحمهالله تعالى في كتابه المقامات في السادسة والأربعين منها قاعدة حسنة للتمييز بين الواو والياء ، وهو قوله :
إذا الفِعْلُ يوماً غُمَّ عَنْكَ هجاؤُهُ |
|
فَأَلْحِقْ بِهِ تاءَ الخِطابِ وَلا تَقِفْ |
فإنْ تَرَ قَبْلَ التّاءِ ياءً فَكَتْبُهُ |
|
بِياءٍ وَإلّا فَهُوَ يُكْتَبُ بِالألِفْ |
وَلَا تَحْسَبِ الفِعْلَ الثُّلاثِيَّ وَالّذِي |
|
تَعَدّاهُ وَالمَهْمُوزَ في ذاكَ يَخْتَلِفْ |
وأمّا الجوهري فإنه جعلهما باباً واحداً ، قال صاحب اللسان : ولقد سمعتُ مَنْ ينتقصُ (٢) الجوهريَّ رحمهالله ، يقولُ إنه لم يجعلْ ذلك باباً واحداً إلا لجهله بانقلاب الألف عن الواو أو عن الياءَ ، ولِقِلَّةِ عِلْمِهِ بِالتَّصْريف ، قالَ : ولستُ أرى الأمرَ كذلك.
قلت ولقد ساءني هذا القولُ ، وكيف يكونُ ذلك وهو إمام التَّصْرِيفِ ، وحامِلُ لوائه ، بل جذيلُه المُحَكَّكُ عِنْدَ أهل النَّقْدِ وَالتَّصْرِيفِ ، وإنما أراد بذلك الوضوحَ للناظِرِ وَالْجَمْعَ للخاطِرِ ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلى الإطالة في الكلام وتقسيم الشرح في موضعين فتأمل.
وأما الألف اللينة التي ليست متحرِّكة فقد أفرد لها الجوهريُّ باباً بعد هذا الباب فقال : هذا بابٌ مبنيُّ على ألفات غير منقلبات عن شيء ، فلهذا أفردناه ، وتبعه المصنف كما سيأتي.
__________________
(١) في الصحاح : نحو العزاء أصله عزاوٌ لأنه من عزوت.
(٢) في اللسان : يتنقص.