العثمانية المختلفة التنظيم الذي ظل قائماً فيها منذ ذلك الوقت حتى الوقت الحاضر مع بعض التغييرات الطفيفة وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في الفصل الثاني من هذا الكتاب (١). وكان الاساس الذي قام عليه هذا القانون هو المبدأ الليبرالي القضائية والتنفيذية ، فقد انيطت الاولى بمحاكم خاصة منتخبة مختلطة في حين منحت الثانية للولاة. وبعد ان جربت القانون الجديد في ولاية الدانوب التي استحدثت خصيصاً لهذا الغرض من دمج مناطق سيليستيريا وفيدين ونيش ، بدأ تنفيذه بالتدريج في ولايات الدولة العثمانية المختلفة بحيث اصبح في ١٨٦٨ نافذاً في جميع انحاء الامبراطورية باستثناء اليمن والعراق الجنوبي. وكان تنفيذه ي هذا الاخير من نصيب مدحت باشا الذي كان قد برهن قبل ذلك بقليل على مقدرة ادارية متميزة وذلك بتجربته الناجحة لتطبيق هذا القانون في ولاية الدانوب.
ولهذا فان هذه القضية لم تكن جديدة على مدحت باشا عندما عين في بغداد عام ١٨٦٩ وانكب بحماس على اصلاح العراق جذرياً. وقد سهلت له تنفيذ هذه المهمة لحد لا يستهان به الصلاحيات الواسعة التي منحته اياها الحكومة التي لم تحجم حتى عن ان تجمع في يديه مجدداً للسلطتين المدنية والعسكرية فعينته والياً للعراق وقائداً في الوقت نفسه للفيلق السادس في بغداد. وكان مدحت باشا واضع دستور ١٨٧٧ (٢) واحداً من رجال الدولة الذين ينتمون إلى المدرسة الليبرالية والذين يناصرون «التنظيمات» ويتحمسون لادخال الحضارة الاوربية الى الدولة العثمانية ، ولهذا فقد تميزت السنوات الثلاث التي حكم فيها العراق بعدد كبير من
__________________
(١) انظر الجزء الاول ص ٧٥ ـ ٨١.
(٢) الصحيح دستور ١٨٧٦ لانه اعلن في ٢٣ كانون الاول ١٨٧٦. (المترجم).