لام عندما ثارت هذه القبيلة القوية فقطعت ـ بغاراتها على السفن والقوافل ـ المواصلات البرية والنهرية بين بغداد والبصرة ، ولا من الخزاعل الذين تمردوا مرة اخرى واستمالوا إلى جانبهم اغلبية القبائل العربية القاطنة في الاهوار المتاخمة للفرات ، ولا كذلك من البدو الذين استغلوا اضطراب النظام الداخلي في الولاية فباشروا باجتياح العراق ونهبه دون رحمة (١). وقد عَدّ الباب العالي محمد نجيب باشا غير اهل للتغلب على العرب ، لعزله في ١٨٤٩ وعين بدلاً منه في منصب والي بغداد قائد الفليق السادس فيها عبد الكريم نادر باشا الذي اشتهر اكثر باسمه المصغر : عبد باشا.
غير ان الوالي الجديد الذي برهن منذ البداية على مهارة مشهورة لتمكنه من اخضاع القبائل بسرعة وبدون اراقة دماء تقريباً ، لم يلبث ان وجد نفسه في وضع ليس بافضل من وضع سلفه ، فلم يكن بمقدوره ايضاً التخلص من الفوضى التي شملت العراق لأنّ سلطة الوالي التي اضعفتها المركزية الزائدة عن الحد لم تعد الا سلطة وهمية. لقد ظل عبد باشا في منصبه مدة تربو قليلا على السنة كما ان حكم الواليين اللذين حكما بعده مباشرة كان اقل من هذه المدة ، وهكذا بلغ عدد الولاة الذين حكموا العراق في السنوات الاربعة التي تلت ١٨٤٨ وهي السنة التي انجز فيها تطبيق المركزية ، اربعة ولاة.
كان ابرز حدث في حياة العراق في المرحلة المذكورة هو وجود لجنة تخطيط الحدود بين الدولة العثمانية وفارس في هذه المنطقة ، ونعني اللجنة التي شارك في اعمالها المندوب الروسي عقيد الاركان العامة تيشير كوف وزميله الانجليزي المقدم وليامز. وكانت هذه اللجنة قد تألفت بالحاح من روسيا وبريطانية اللتين امكن بفضل جهودهما تلافي الصدام
__________________
(١) W.K. Lofus Trabels and Researches in chsldea and susisina, (New York, ١٨٥٧), pp: