قالَ ابنُ بَرِّي : ولم يَذْكُرْ أَبو عليٍّ تَحْرِيك النُّونِ بكسْرٍ ولا فَتْح فيمَنْ أسْكَن الدَّال ، قالَ : ويَنْبَغي أَنْ تكونَ مَكْسورَةً ، قالَ : وكذا حَكَاها الحَوْفيُّ ، ولم يذكرْ لُدْن التي حَكَاه أبو عليٍّ ؛ كلُّ ذلِكَ ظَرْفٌ زَمانيٌّ ومَكانِيٌّ كعِنْدَ.
قالَ سِيْبَوَيْه : لَدُنْ جُزِمَتْ ولم تُجْعَل كعِنْدَ لأنَّها لم تَمَكَّنْ في الكَلامِ تَمَكُّن عِنْدَ ، واعْتَقَبَ النونُ وحرفُ العِلَّةِ على هذه اللَّفظَةِ لاماً ، كما اعْتَقَبَتِ الهاء والواوُ في سَنَةٍ لاماً ، وكما اعْتَقَبَتْ في عِضاهٍ.
وقالَ أَبو إسْحاق : لَدُنْ لا تَمَكَّنُ تَمَكُّنَ عِنْدَ لأنَّك تقولُ هذا القولَ عِنْدِي صوابٌ ، ولا تقولُ هو لَدُني صوابٌ ، وتقولُ عنْدِي مالٌ عَظيمٌ ، والمالُ غائِبٌ عنْك ، ولَدُنْ لمَا يَلِيكَ لا غَيْر.
وقالَ الزجَّاجُ في قوْلِهِ تعالى : (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) ، وقُرِئَ بتَخْفيفِ النونِ ، ويَجوزُ تَسْكين الدَّال ، وأَجْودُها بتَشْديدِ النُّونِ ، لأنَّ أَصْلَ لَدُنْ الإِسْكانُ ، فإِذا أَضَفْتها إلى نَفْسِك زِدْتَ نوناً ليَسْلم سكونُ النونِ الأُولى ؛ قال : والدَّليلُ على أنَّ الأسْماءَ يَجوزُ فيها حَذْفُ النونِ قَوْلهم قَدْني في معْنَى حَسْبي ، ويَجوزُ قَدِي بحذْفِ النّونِ لأنَّ قد اسمٌ غَيْر مُتَمَكِّنٍ.
وحَكَى أَبو عَمْرِو (١) عن أَحْمدَ بن يَحْيَى والمبرِّدِ أنَّهما قالا : العَرَبُ تقولُ لَدُنْ غُدْوَةٌ ولَدُنْ غُدْوَةً ولَدُنْ غُدْوَةٍ ، فمن رَفَعَ أَرادَ لَدُنْ كانتْ غُدْوةٌ ، ومن نصَبَ أَرادَ لَدُنْ كانَ الوقتُ غُدْوةً ، ومن خَفَضَ أَرادَ من عِنْد غُدْوةٍ.
وقالَ ابنُ كَيْسان : لَدُنْ حرفٌ يَخْفِضُ ، ورُبَّما نُصِبَ بها ؛ قالَ : وحَكَى البَصْريُّون أَنَّها تنصبُ غُدْوةً خاصَّةً من بين الكَلامِ ؛ وأَنْشَدَوا :
ما زالَ مُهْري مَزْجَرَ الكَلبِ منهم |
|
لَدُنْ غُدْوَةً حتى دَنَتْ لغُروبِ (٢) |
وقالَ ابنُ كَيْسان : مَنْ خَفَضَ بها أَجْراها مُجْرَى مِنْ وعَنْ ، ومَنْ رَفَعَ أَجْراها مُجْرَى مُذْ ، ومَنْ نَصَبَ جَعَلَها وَقْتاً وجَعَلَ ما بعْدَها تَرْجمةً عنها.
وقالَ الليْثُ : لَدُنْ في معْنَى مِن عِنْد ، تقولُ : وقَفَ الناسُ له من لَدُنْ كذا إلى المَسْجِدِ ونَحْو ذلِكَ إذا اتَّصلَ ما بينَ الشَّيْئَيْن ، وكذلِكَ في الزَّمانِ مِن لَدُنْ طُلُوعِ الشمسِ إلى غُروبِها ، أَي مِن حِين.
وقالَ أَبو زيْدٍ عن الكِلابيِّين : هذا مِن لَدُنِهِ ، ضمُّوا الدالَ وفَتَحُوا اللامَ وكسَرُوا النونَ.
وقالَ الجوْهرِيُّ : لَدُنْ الموْضِع الذي هو الغايَةُ ، وهو ظرْفٌ غَيْر مُتَمكِّن بمنْزِلَةِ عِنْد ، وقد أَدْخلُوا عليها مِن وَحْدها مِن حُرُوفِ الجرِّ ، قالَ تعالى : (مِنْ لَدُنّا) (٣) ، وجاءَتْ مُضافَةً تَخْفِضُ ما بَعْدَها ؛ قالَ : وقد حَمَلَ حذْفُ النونِ بعضَهم إلى أَنْ قالَ : لَدُنْ غُدْوَةً ، فنَصَبَ غُدْوَةً بالتَّنْوينِ لأنَّه توهَّم أنَّ هذه النونَ زائِدَةٌ تقومُ مَقامَ التَّنْوين فنَصَبَ ، كما تقولُ : ضارِبٌ زَيْداً ، قالَ : ولم يُعْمِلوا لَدُنْ إلَّا في غُدْوَةٍ خاصَّةً.
وسُمِعَ لَدَا بمَعْنَى هَلْ ؛ نَقَلَهُ أَبو عليٍّ في التّذْكِرَةِ عن المُفَضَّلِ ، وأَنْشَدَ :
لَدَى من شبابٍ يُشْتَرى بمَشِيبِ |
|
وكيفَ شَبابُ المرْءِ بعدَ دبِيبِ؟ (٤) |
ويقالُ : طَعامٌ لَدُنٌ ، بضمِّ الدَّالِ : أَي غيرُ جَيِّدِ الخَبْزِ والطَّبْخِ.
واللُّدُنَّةُ ، كدُجُنَّةٍ ، وتُفْتَحُ اللَّامُ ، وعليه اقْتَصَرَ ابنُ بَرِّي ، الحاجَةُ. يقالُ : لي إليه لُدُنَّةٌ.
وتَلَدَّنَ : تَمَكَّثَ في الأَمْرِ وتَلَبَّثَ ؛ عن أَبي عَمْرٍو.
وتَلَدَّنَ عليه : تَلَكَّأَ ولم يَنْبَعِثْ ؛ ومنه حدِيثُ عائِشَةَ ، رضِيَ اللهُ تعالى عنها : «فأَرْسَلَ إليَّ ناقةً مُحَرَّمةً فتَلَدَّنتْ عليَّ فلَعَنْتها».
__________________
(١) في التهذيب : «أبو عمر».
(٢) اللسان ، وقوله : «ما زال» بلا واو وينشد في الشواهد : «وما زال».
(٣) النساء ، الآية ٦٧ ، والكهف ، الآية ٦٥ ، ومريم ، الآية ١٣ ، وطه ، الآية ٩٩ ، والأنبياء ، الآية ١٧.
(٤) اللسان.