الجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ اليَقِينِ) (١).
وأمّا هذا الوجه الدنيوي الذي نشاهده نحن من العالم الإنساني ، وهو الذي يفرّق بين الآحاد ، ويشتّت الأموال والأعمال بتوزيعها على قطعات الزمان ، وتطبيقها على مرّ الليالي والأيّام ويحجب الإنسان عن ربّه بصرف وجهه إلى التمتّعات المادية الأرضية واللذائذ الحسية ، فهو متفرّع على الوجه السابق متأخّر عنه ، وموقع تلك النشأة وهذه النشأة في تفرّعها عليها موقعاً كن ويكون في قوله تعالى : (أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون) (٢).
ويتبيّن بذلك أنّ هذه النشأة الإنسانية الدنيوية مسبوقة بنشأة اُخرى إنسانية هي هي بعينها ، غير أنّ الآحاد موجودون فيها غير محجوبين عن ربّهم ، يشاهدون فيها وحدانيّته تعالى في الربوبية بمشاهدة أنفسهم لا من طريق الاستدلال ، بل لأنّهم لا ينقطعون عنه ولا يفقدونه ، ويعترفون به وبكلّ حقّ من قبله ، وأمّا قذارة الشرك وألواث المعاصي ، فهو من أحكام هذه النشأة الدنيوية دون تلك النشأة ، التي ليس فيها إلاّ فعله تعالى القائم به ، فافهم ذلك.
وأنت إذا تدبّرت هذه الآيات ثمّ راجعت قوله تعالى : (وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الآية ، وأجدت التدبّر فيها وجدتها تشير إلى تفصيل أمر تشير هذه الآيات إلى إجماله ، فهي تشير إلى نشأة إنسانية سابقة فرق اللّه فيها بين أفراد هذا النوع ، وميّز بينهم (وَأشْهَدَهُمْ عَلى أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا).
__________________
(١) سورة التكاثر ، الآية ٧.
(٢) سورة يس ، الآية ٨٢.