تدلاّن على عالم الذرّ ، وأنّ اللّه أخرج ذرية آدم من ظهره ، فخرجوا كالذرّ ، فأشهدهم على أنفسهم ، وعرّفهم نفسه ، وأخذ منهم الميثاق على ربوبيته ، فتمّت بذلك الحجّة عليهم يوم القيامة. وقد ذكروا وجوهاً في إبطال دلالة الآيتين عليه ، وطرح الروايات بمخالفتها لظاهر الكتاب.
فيذكر السيد وجوهاً ستة ، ثمّ يقول : هذه جملة ما أوردوه على دلالة الآية وحجية الروايات ، وقد زيّفها المثبتون لنشأة الذرّ ، وهم عامة أهل الحديث وجمع من غيرهم من المفسّرين بأجوبة.
فيذكر أجوبة الوجوه الستة ، ويقول : هذا ملخّص ما جرى بينهم من البحث في ما استفيد من الآية من حديث عالم الذرّ إثباتاً ونفياً ، واعتراضاً وجواباً ، واستيفاء التدبّر في الآية والروايات ، والتأمّل فيما يرومه المثبتون بإثباتهم ويدفعه المنكرون بإنكارهم يوجب توجيه البحث إلى جهة اُخرى غير ما تشاجر فيه الفريقان بإثباتهم ونفيهم.
فيذكر العلاّمة وجهاً ثالثاً بقريحته العرفانية اللطيفة بعد أن يشكل إشكالات عديدة على من يقول بعالم الذرّ كما عند المشهور ، كما يشكل على النافين له ، ويقول : ومقتضى هذه الآيات أنّ للعالم الإنساني ـ على ما له من السعة ـ وجوداً جميعاً عند اللّه سبحانه ، وهو الذي يلي جهته تعالى ويفيضه على أفراده ، لا يغيب فيها بعضهم عن بعض ، ولا يغيبون عن صانعه ، وهذا هو الذي يسمّيه اللّه سبحانه بالملكوت ، ويقول : (وَكَذلِكَ نُرِيَ إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ) (١) ، ويشير إليه بقوله : (كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ لَتَرَوُنَّ
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية ٧٥.