ذلك وجه وجيه لم أعثر على من تقدّمني فيه ، وهو يتوقّف على بيان مقدّمة هي أن المستفاد من جملة من الأخبار أن دفن الميّت إنما يقع في موضع تربته التي خلق منها ، فروى في (الكافي) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : «من خلق من تربة دفن فيها» (١).
وروى فيه أيضا عن الحارث بن المغيرة قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «إنّ النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله تعالى ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها فماثها في النطفة فلا يزال قلبه يحنّ إليها حتى يدفن فيها» (٢).
وروى فيه أيضا في حديث دخول عبد الله بن قيس الماصر على أبي جعفر عليهالسلام وسؤاله له (٣) عن العلّة في تغسيل الميّت غسل الجنابة وهو طويل قال عليهالسلام فيه : «إنّ الله عزوجل يخلق خلّاقين ، فإذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في كتابه (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (٤) ، فيعجن النطفة بتلك التربة التي يخلق منها بعد أن أسكنها في الرحم أربعين ليلة ، فإذا تمّت له أربعة أشهر قال : يا ربّ تخلق ما ذا؟ فيأمرهم بما يريد من ذكر أو انثى ، أبيض أو أسود. فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها كائنا ما كان ؛ صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو انثى فلذلك يغسل غسل الجنابة» (٥) الحديث.
وحينئذ ، نقول : ما ورد من الأخبار دالا على رفعهم عليهمالسلام من الأرض بالأبدان العنصريّة يجب تقييده بما دلّت عليه هذه الأخبار من الدفن في الموضع الأصلي والمقر الحقيقي الذي أخذت منه الطينة. ويجب حمل خبري عظام آدم
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٠٢ / ١ ، باب التربة التي يدفن فيها الميت.
(٢) الكافي ٣ : ٢٠٣ / ٢ ، باب التربة التي يدفن فيها الميت.
(٣) ليست في «ح».
(٤) طه : ٥٥.
(٥) الكافي ٣ : ١٦١ ـ ١٦٢ / ١ ، باب العلة في غسل الميت غسل الجنابة.