وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر بأوضح الظهور عند من سلم حسه من الفتور والقصور.
ونزيد لذلك توضيحا وبيانا أن هذه العبارة في أكثر الأخبار إنما خرجت عنهم عليهمالسلام في أخبار الجبن ، فإنه قد كثرت الأسئلة عنه في زمانهم عليهمالسلام ، وهو قرينة واضحة على أن مورد تلك الكلية إنما هي في الأفراد التي مثل الجبن في كونه غير محصور ، ففي رواية عبد الله بن سليمان عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجبن ، فقال : «لقد سألتني عن طعام يعجبني». ثم أعطى الغلام درهما ، فقال : «يا غلام ، ابتع لنا جبنا». ثم دعا بالغداء فتغدينا معه ، فاتي بالجبن وأكل وأكلنا ، فلما فرغنا من الغداء قلت : ما تقول في الجبن فقال : «أو لم ترني أكلته؟». فقلت (١) : بلى ، ولكني أحبّ أن أسمعه منك. فقال : «سأخبرك عن الجبن وغيره ؛ كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه» (٢).
فقوله عليهالسلام : «سأخبرك عن الجبن وغيره» ، يعني ما كان في الانتشار وعدم الانحصار.
ورواية عبد الله بن سليمان أيضا المتقدّمة في أدلة القول المشهور ، ورواية معاوية بن عمار عن رجل من أصحابنا قال : كنت عند أبي جعفر عليهالسلام فسأله رجل عن الجبن ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : «إنّه لطعام يعجبني ، وسأخبرك عن الجبن وغيره (٣) ، كلّ شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه» (٤).
الثاني : أنه بمقتضى ما قدّمنا من الآيات القرآنية والسنة المستفيضة الدالة على وجوب اجتناب الحرام مطلقا أعمّ من أن يكون متميزا متشخّصا أو مختلطا
__________________
(١) من «ح» ، وفي «ق» : فقال.
(٢) الكافي ٦ : ٣٣٩ / ١ ، باب الجبن ، وسائل الشيعة ٢٥ : ١١٧ ـ ١١٨ ، أبواب الأطعمة المباحة ، ب ٦١ ، ح ١.
(٣) يعني ما كان في .. وغيره ، من «ح».
(٤) المحاسن ٢ : ٢٩٧ / ١٩٨٠ ، وسائل الشيعة ٢٥ : ١١٩ ، أبواب الأطعمة المباحة ، ب ٦١ ، ح ٦.