بالسيف استعارة بالكناية ، وبيت أبي الطيب خال عنهما. ومثال الثالث قول أبي زياد (١) :
ولم يك أكثر الفتيان مالا |
|
ولكن كان أرحبهم ذراعا |
يعني أن الممدوح ليس أكثر الناس مالا ولكن أوسعهم باعا أي سخي. وقول أشجع (٢) :
وليس بأوسعهم في الغنى |
|
ولكنّ معروفه أوسع |
فالبيتان متماثلان هكذا في المطوّل والمختصر.
وأمّا غير الظاهر فمنه أن يتشابه المعنيان أي معنى البيت الأول والثاني كقول جرير (٣) :
فلا يمنعك من إرب لحاهم |
|
سواء ذو العمامة والخمار |
أي لا يمنعك من الحاجة كون هؤلاء على صورة الرجال ، لأنّ الرجال منهم والنساء في الضعف سواء. وقول أبي الطيب :
ومن في كفه منهم قناة |
|
كمن في كفه منهم خضاب |
ويجوز في تشابه المعنيين أن يكون أحد البيتين نسيبا والآخر مديحا أو هجاء أو افتخارا أو غير ذلك ، فإنّ الشاعر الحاذق إذا قصد إلى المعنى المختلس لينظمه احتال في إخفائه فيغير لفظه ويصرفه عن نوعه من النسيب أو المديح أو غير ذلك ، وعن وزنه وعن قافيته كقول البحتري :
سلبوا وأشرقت الدماء عليهم |
|
محمرّة فكأنّهم لم يسلبوا |
يعني أنّهم سلبوا عن ثيابهم ثم كانت الدماء المشرقة عليهم بمنزلة الثياب لهم ، وقول أبي الطيب :
يبس النجيع عليه وهو مجرّد |
|
عن غمده فكأنّما هو مغمد |
يعني أنّ السيف جرد عن غمده فكأنّ الدم اليابس عليه بمنزلة الغمد له. فنقل أبو الطيب المعنى من القتلى إلى السيف ، كذا في المطول والمختصر. ومنه أن يكون معنى الثاني أشمل من معنى الأول كقول جرير :
إذا غضبت عليك بنو تميم |
|
وجدت الناس كلهم غضابا |
وقول أبي نواس (٤) :
ليس من الله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد |
فالأول يختص ببعض العالم وهم الناس وهذا يشملهم وغيرهم لأنّ العالم ما سوى الله تعالى مشتقّ من العلم بمعنى العلامة لأنّ كل ما
__________________
(١) هو محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي ، أبو عبد الله. ولد عام ١٥٠ هـ / ٧٦٧ م. وتوفي عام ٢٣١ هـ / ٨٤٥ م. راوية ، نسّابة ، عالم باللغة والأدب. له عدة مصنفات هامة. الاعلام ٦ / ١٣١ ، وفيات الاعيان ١ / ٤٩٢ ، تاريخ بغداد ٥ / ٢٨٢ ، طبقات النحويين ٢١٣ ، ارشاد الاريب ٧ / ٥.
(٢) هو أشجع بن عمرو السلمي ، ابو الوليد ، من بني سليم من قيس عيلان. توفي نحو ١٩٥ هـ / نحو ٨١١ م شاعر فحل ، كان معاصرا لبشار. مدح بعض الخلفاء الاعلام ، ١ / ٣٣١ ، الاغاني ١٧ / ٣٠ ، تهذيب ابن عساكر ٣ / ٥٩ ، تاريخ بغداد ٧ / ٤٥ ، الشعر والشعراء ٣٧٣ ، الخزانة ١ / ١٤٣.
(٣) هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي ، من تميم. ولد عام ١٨ هـ / ٦٤٠ م وتوفي عام ١١٠ هـ / ٧٢٨ م.
أشعر أهل عصره ، وكان واحدا من المثلث الأموي مع الفرزدق والأخطل. وكانت له معهما نقائض. اشتهر بالغزل والهجاء. له ديوان مطبوع. الأعلام ٢ / ١١٩ ، وفيات الاعيان ١ / ١٠٢ ، أشعر والشعراء ١٧٩ ، خزانة الادب ١ / ٣٦.
(٤) هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمي ، ابو نواس. ولد بالأهواز عام ١٤٦ هـ / ٧٦٣ م. وتوفي ببغداد عام ١٩٨ هـ / ٨١٤ م. شاعر العراق في عصره. اشتهر بخمرياته وغزله. له عدة دواوين شعر مطبوعة. الاعلام ٢ / ٢٢٥ ، تهذيب ابن عساكر ٤ / ٢٥٤ ، نزهة الجليس ١ / ٣٠٢ ، خزانة الادب ١ / ١٦٨ ، وفيات الاعيان ١ / ١٣٥ ، تاريخ بغداد ٧ / ٤٣٦.