سواه دليل وعلامة على وجوده تعالى. ومنه القلب وهو أن يكون معنى الثاني نقيضا لمعنى الأول كقول أبي الشيص (١) :
أجد الملامة في هواك لذيذة |
|
حبّا لذكرك فليلمني اللّوّم |
وقول أبي الطيب :
أأحبه وأحب فيه ملامة |
|
إنّ الملامة فيه من أعدائه |
الاستفهام للإنكار الراجع إلى القيد الذي هو الحال وهو قوله وأحب فيه ملامة ، وما يكون من عدو الحبيب يكون ملعونا مبغوضا لا محبوبا ، وهو المراد (٢) من قوله إنّ الملامة الخ ، فهذا المعنى نقيض لمعنى بيت أبي الشيص ، والأحسن في هذا النوع أنّ يبيّن السبب كما في هذين البيتين ، إلاّ أن يكون ظاهرا. ومنه أن يؤخذ بعض المعنى ويضاف إليه ما يحسنه كقول الأفوه (٣) :
وترى الطير على آثارنا |
|
رأي عين ثقة أن تمار |
أي ترى أيها المخاطب الطيور تسير كائنة على آثارنا رؤية مشاهدة لا تخيّل لوثوقها على أن ستطعم من لحوم قتلانا. وقول أبي تمام :
قد ظلّلت عقبان أعلامه ضحى |
|
بعقبان طير في الدماء نواهل |
أقامت مع الرايات حتى كأنّها |
|
من الجيش إلاّ أنها لم تقاتل |
أي أنّ تماثيل الطيور المعمولة على رءوس الأعلام قد صارت مظللة وقت الضحى بالطيور العقبان الشوارب في دماء القتلى لأنّه إذا خرج للغزو وتساير العقبان فوق راياته رجاء أن تأكل لحوم القتلى وتشرب دماءهم ، فتلقي ظلالها عليها ، ثم إذا أقام أقامت الطيور مع راياته وثوقا بأنها تطعم وتشرب حتى يظن أنها من الجيوش ، لكنها لم تقاتل. فأخذ أبو تمام بعض معنى قول الأفوه من المصراع الأول لكن زاد عليه زيادات محسّنة بقوله ظللت ، وبقوله في الدماء نواهل ، وبقوله أقامت مع الرايات إلى آخر البيت ، وبإيراد التجنيس بقوله عقبان أعلامه وعقبان طير هكذا في المطول وحواشيه. وأكثر هذه الأنواع المذكورة لغير الظاهر ونحوها مقبولة بل منها ما يخرجه حسن التصرّف من قبيل الاتباع إلى حيز الإبداع. وكلما كان أشد خفاء بحيث لا يعرف أنّ الثاني مأخوذ من الأول إلاّ بعد إعمال روية ومزيد تأمل كان أقرب إلى القبول. هذا الذي ذكر كله في الظاهر وغيره من ادعاء سبق أحدهما واتباع الثاني وكونه مقبولا أو مردودا ، وتسمية كلّ بالأسامي المذكورة إنّما يكون إذا علم أنّ الثاني أخذ من الأول بأن يعلم أنه كان يحفظ قول الأول حين نظم أو بأن يخبر هو عن نفسه أنّه أخذه منه ، وإلاّ فلا يحكم بذلك لجواز أن يكون الاتفاق من توارد الخواطر ، أي مجيئه على سبيل الاتفاق من غير قصد إلى الأخذ ، فإذا لم يعلم الأخذ قيل : قال فلان كذا وقد سبقه إليه فلان بكذا ، هذا كله خلاصة ما في المطول.
__________________
(١) هو محمد بن علي بن عبد الله بن رزين بن سليمان بن تميم الخزاعي. توفي عام ١٩٦ هـ / ٨١١ م. شاعر مطبوع ، رقيق الالفاظ سريع الخاطر. الاعلام ٦ / ٢٧١ ، فوات الوفيات ٢ / ٢٢٥ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٨ ، الشعر والشعراء ٣٤٦ ، تاريخ بغداد ٥ / ٤٠١.
(٢) المقصود (م ، ع).
(٣) هو صلاءة بن عمرو بن مالك ، من بني أود من مذحج. توفي نحو ٥٠ ق. هـ / نحو ٥٧٠ م. شاعر يماني جاهلي. كنيته أبو ربيعة. لقب بالأفوه لغلظ شفتيه. شاعر عصره حكيم. الاعلام ٣ / ٢٠٦ ، معاهد التنصيص ٤ / ١٠٧ ، الشعر والشعراء ٥٩ ، جمهرة الانساب ٣٨٦.