أن يدخل عليه ظلمك أو بدلا من أن تظلمه متى لم يجد عن ركوب حدّ السيف مبعدا ومعدلا. فقال له معاوية لقد شعرت بعدي يا أبا بكر ، أي صرت شاعرا ، ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معن بن أوس المزني (١) الشاعر فأنشد قصيدته التي أولها :
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل |
|
على أيّنا تغدو (٢) المنية أول |
حتى أتمها وفيها هذان البيتان. فأقبل معاوية على عبد الله بن الزبير وقال له : ألم تخبرني أنّهما لك؟ فقال : اللفظ له والمعنى له (٣) ، وبعد فهو أخي من الرضاعة وأنا أحقّ بشعره فقلته مخبرا عن حاله وحاكيا عن حالي هكذا في المطول وفي معناه أن يبدل بالكلمات كلها أو بعضها ما يرادفها ، يعني أنه مذموم وسرقة محضة كما يقال في قول الحطيئة (٤) :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي |
إنّه بدّل الكلمات وأبقى المعاني فقيل :
ذر المآثر لا تذهب لمطلبها |
|
واجلس فإنّك أنت الآكل اللابس |
وإن أخذ اللفظ كلّه مع تغيير نظمه أو أخذ بعض اللفظ لا كله سمّي هذا الأخذ إغارة ومسخا ، وهو ثلاثة أقسام : لأنّ الثاني إمّا أن يكون أبلغ من الأول أو دونه أو مثله ، فإن كان الثاني أبلغ لاختصاصه بفضيلة فممدوح ومقبول ، وإن كان الثاني دونه فمذموم ، وإن كان مثله فأبعد من الذمّ ، والفضل للأول. وإنّما يكون أبعد من الذمّ إن لم يكن في الثاني دلالة على السرقة كاتفاق الوزن والقافية وإلاّ فهو مذموم جدا. مثال الأول قول بشار (٥) :
من راقب الناس لم يظفر بحاجته |
|
وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج |
أي الشجاع القتال وراقب بمعنى خاف. وقول سلم (٦) :
من راقب الناس مات همّا |
|
وفاز باللذة الجسور |
أي شديد الجرأة فبيت سلم مأخوذ من بيت بشّار إلاّ أنّه أجود سبكا وأخصر لفظا. ومثال الثاني قول أبي تمام :
هيهات لا يأتي الزمان بمثله |
|
إنّ الزمان بمثله لبخيل |
فأخذ منه أبو الطيب المصراع الثاني فقال :
أعدى الزمان سخاؤه فسخا به |
|
ولقد يكون به الزمان بخيلا |
__________________
(١) هو معن بن أوس بن نصر بن زياد المزني ، توفي عام ٦٤ هـ / ٦٨٣ م. شاعر مقلّ مخضرم في الجاهلية والاسلام. مدح الصحابة. له ديوان مطبوع. الاعلام ٧ / ٢٧٣ ، خزانة الادب ٣ / ٢٥٨ ، جمهرة الانساب ١٩١ ، رغبة الآمل ٥ / ١٩٠.
(٢) تعدو (م).
(٣) لي (م ، ع).
(٤) هو جرول بن أوس بن مالك العبسى ، أبو مليكة. توفي عام ٤٥ هـ / ٦٦٥ م. شاعر مخضرم ، أدرك الجاهلية والاسلام. كان هجاء عنيفا. له ديوان شعر مطبوع. الاعلام ٢ / ١١٨ ، فوات الوفيات ١ / ٩٩ ، الأغاني ٢ / ١٥٧ ، الشعر والشعراء ١١٠ ، خزانة الادب ١ / ٤٠٩.
(٥) هو بشار بن برد العقيلي ، أبو معاذ. ولد بالبصرة عام ٩٥ هـ / ٧١٤ م. وتوفي فيها عام ١٦٧ هـ / ٧٨٤ م. أشهر الشعراء المولدين على الاطلاق. كان ضريرا شجاعا راجزا. اتهم بالزندقة. له ديوان شعر مطبوع ، الاعلام ٢ / ٥٢ ، وفيات الاعيان ١ / ٨٨ ، تاريخ بغداد ٧ / ١١٢ ، الشعر والشعراء ٢٩١ ، الخزانة ١ / ٥٤١ ، الأغاني ٣ / ١٣٥ ، وغيرها.
(٦) هو سلم بن عمرو بن حماد. توفي عام ١٨٦ هـ / ٨٠٢ م. شاعر ، خليع ماجن. سكن بغداد ومدح بعض الخلفاء العباسيين. الاعلام ٣ / ١١٠ ، وفيات الاعيان ١ / ١٩٨ ، تاريخ بغداد ٩ / ١٣٦.