الغير وهو حاضر يقظان قاصد حفظه وهو يأخذه منه بنوع غفلة وخدع ، وفعل كلّ واحد منهما وإن كان شبيها بفعل الآخر ، لكنّ اختلاف الاسم يدل على اختلاف المسمّى ظاهرا ، فاشتبه الأمر أنّه دخل تحت لفظ السارق حتى يقطع كالسارق أم لا فنظرنا في السرقة فوجدناه جناية ، لكن جناية الطرار أقوى لزيادة فعله على فعل السارق ، حيث يأخذ من اليقظان فيثبت القطع بالطريق الأولى كثبوت حرمة الضرب بحرمة التأفيف ، وهذا يسمّى بالدلالة عند الأصوليين. بخلاف النباش فإنّه يأخذ مالا لا حافظ له من حرز ناقص خفية فيكون فعله أدنى من فعل السارق ، فلا يلحق به ولا يقطع عند أبي حنيفة ومحمد ، خلافا لأبي يوسف رحمهمالله. وعند الشافعي يقطع يمين السارق بربع دينار حتى سأل الشاعر المعري (١) للإمام محمد رحمهالله :
يد بخمس مئين عسجد فديت |
|
ما بالها قطعت بربع دينار |
فقال محمد في الجواب : [لمّا] (٢) كانت أمينة ثمينة فلما خانت هانت كذا في الجرجاني.
وعند الشعراء ويسمّى الأخذ أيضا هو أن ينسب الشاعر شعر الغير أو مضمونه إلى نفسه. قالوا اتفاق القائلين إن كان في الغرض على العموم كالوصف بالشجاعة أو السخاء أو نحو ذلك فلا يعدّ سرقة ولا استعانة ولا أخذا ونحو ذلك ، لتقرره في العقول والعادات. وإن كان اتفاقهم في وجه الدلالة على الغرض كالتشبيه والمجاز والكناية وكذكر هيئات تدلّ على الصفة لاختصاص تلك الهيئات بمن تثبت تلك الصفة له كوصف الجواد بالتهلل عند ورود السائلين ، فإن اشترك الناس في معرفته أي معرفة وجه الدلالة على الغرض لاستقراره فيهما أي في العقول والعادة كتشبيه الشجاع بالأسد والجود بالبحر فهو كالأول ، أي فالاتفاق في هذا النوع من وجه الدلالة على الغرض كالاتفاق في الغرض العام في أنّه لا يعدّ سرقة ولا أخذا ، وإلاّ أي وإن لم يشترك الناس في معرفته ولم يصل إليه كل أحد لكونه مما لا ينال إلاّ بفكر صائب صادق جاز أن يدعى فيه السبق والزيادة بأن يحكم بين القائلين فيه بالتفاضل ، وإنّ أحدهما فيه أكمل من الآخر ، وإنّ الثاني زاد على الأول أو نقص عنه. وهذا ضربان خاصي (٣) في نفسه غريب لا ينال إلاّ بفكر وعامي تصرف فيه بما أخرجه من الابتذال إلى الغرابة كما في التشبيه الغريب الخاصي والمبتذل العامي. وإذا تقرّر هذا فالسّرقة والأخذ نوعان ، ظاهر وغير ظاهر. أمّا الظاهر فهو أن يؤخذ المعنى كله إمّا مع اللفظ كله أو بعضه ، وإمّا وحده. فإن أخذ اللفظ كله من غير تغيير لنظمه فهو مذموم لأنّه سرقة محضة ويسمّى نسخا وانتحالا ، كما حكي أنّ عبد الله بن الزبير دخل على معاوية فأنشد بيتين :
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته |
|
على طرف الهجران إن كان يعقل |
ويركب حدّ السّيف من أن تضيمه |
|
إذا لم يكن عن شفرة السّيف مزحل |
أي إذا لم تعط أخاك النصفة ولم توفّه حقوقه تجده هاجرا لك ومتبدلا بك إن كان به عقل وله معرفة. وأيضا تجده راكبا حدّ السيوف أي ويتحمّل شدائد تؤثر فيه تأثير السّيف مخافة
__________________
(١) هو احمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري. ولد في معرة النعمان عام ٣٦٣ هـ / ٩٧٣ م وتوفي فيها عام ٤٤٩ هـ / ١٠٥٧ م. شاعر فيلسوف. له عدة كتب هامة وبعض الدواوين الشعرية. الاعلام ١ / ١٥٧ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٣ ، معجم الادباء ١ / ١٨١ ، أعلام النبلاء ٤ / ٧٧ ، لسان الميزان ١ / ٢٠٣ ، انباه الرواة ١ / ٤٦.
(٢) [لما] (+ م ، ع).
(٣) خاص (م).