وقرأت فى كتاب حرملة ـ فيما روى عن الشافعي رحمه الله ـ : أنه قال : «جماع العكوف : ما (١) لزمه المرء ، فحبس عليه نفسه : من شىء ، برّا كان أو مأثما. فهو : عاكف.»
«واحتجّ بقوله عزّ وجلّ : (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ : ٧ ـ ١٣٨) ؛ وبقوله تعالى [حكاية] (٢) عمن رضي قوله : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ : ٢١ ـ ٥٢).» «قيل : فهل للاعتكاف المتبرّر ، (٣) أصل فى كتاب الله عزوجل؟.
قال : نعم (٤) ؛ قال الله عزّ وجلّ : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ : (٥) وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ : ٢ ـ ١٨٧) ؛ والعكوف فى المساجد : [صبر الأنفس فيها ، وحبسها على عبادة الله تعالى وطاعته].» (٦)
__________________
(١) قوله : ما لزمه إلخ ؛ فيه تجوز ، وظاهره غير مراد قطعا. إذ أصل العكوف : الإقامة على الشيء أو بالمكان ، ولزومهما ، وحبس النفس عليهما. انظر اللسان (مادة : عكف) ، وتفسير الطبري (ج ٢ ص ١٠٤).
(٢) الزيادة للايضاح ؛ والمرضى قوله هنا هو الخليل ، عليه السلام.
(٣) أي : المتبرر به ؛ على حد قولهم : الواجب المخير أو الموسع ؛ أي : فى أفراده ، أو أوقاته.
(٤) فى الأصل : «يعنى» ، وهو تحريف من الناسخ.
(٥) أخرج فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٢١) عن ابن عباس ، أنه قال : «المباشرة والملامسة والمس : جماع كله ؛ ولكن الله (عز وجل) يكنى ما شاء بما شاء» ؛ وانظر الخلاف فى تفسير المباشرة ، فى الطبري (ج ٢ ص ١٠٤ ـ ١٠٦).
(٦) هذه الزيادة قد تكون صحيحة متعينة ؛ إذ ليس المراد : بيان أن العكوف المتبرر يكون فى المساجد ، أو لا يكون إلا فيها ، وإنما المراد : بيان أن العكوف فى المساجد متبرر به ؛ لأنه حبس للنفس فيها من أجل العبادة. ولو كان قوله : والعكوف فى المساجد (بدون الواو) ؛ مذكورا عقب قوله : نعم ، لما كان ثمة حاجة للزيادة : وإن كان الجواب حينئذ لا يكون ملائما للسؤال تمام الملاثمة ، فليتأمل.