ومِن أَسْمائِهِ تعالَى : الرَّحْمنُ والرَّحيمُ : بُنِيَتِ الصِّفَة الْأُولى على فَعْلانَ لأنَّ مَعْناه الكَثْرَة ، وذلِكَ لأَنَّ و (هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ).
وقالَ الزَّجاجٌ : (الرَّحْمنُ) اسمٌ مِن أَسْماءِ اللهِ ، عزوجل ، مَذْكورٌ في الكُتُبِ الأُوَل ، ولم يكُونُوا يَعْرفونَه مِن أَسْماءِ اللهِ تعالَى.
قالَ أَبو الحَسَنِ : أَرَاهُ يَعْني أَصْحابَ الكُتُبِ الْأُوَل ، ومَعْناه عندَ أَهْلِ اللُّغةِ : ذُو الرَّحْمَةِ التي لا غايَةَ بعدَها في الرَّحْمةِ.
ورَحِيمٌ : فَعِيلٌ بمعْنَى فاعِلٍ ما قالوا : سَمِيعٌ بمعْنَى سَامِعٍ ، ولا يَجُوزُ أَنْ يقالَ : رَحْمان إلَّا للهِ ، عزوجل.
وحَكَى الأَزْهرِيُّ عن أَبي العَبَّاس في قوْلِهِ تعالَى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، جَمَعَ بَيْنهما لأنَّ الرَّحْمنَ عِبْرانيٌّ ، والرَّحِيمَ عَرَبيٌّ ، وأَنْشَدَ لجريرٍ :
لنْ تُدْرِكوا المَجْد أَو تَشْرُوا عَباءَكُمُ |
|
بالخَزِّ أَو تَجْعَلُوا اليَنْبُوتَ ضَمْرانا |
أَو تَتْرِكون إلى القَسَّيْنِ هِجْرَتَكُمْ |
|
ومَسْحَكُمْ صُلْبَهُمْ رَحْمانَ قُرْبانا؟ (١) |
وقالَ الجوْهَرِيُّ : هما اسْمان مُشْتَقَّان مِن الرَّحْمةِ ، ونَظِيرُهُما في اللُّغةِ نَدِيمٌ ونَدْمان ، وهما بمعْنى ، ويَجُوزُ تَكْريرُ الاسْمَيْن إذا اخْتَلَف اشْتِقاقهما على جهَةِ التَّوْكيدِ كما يقالُ : جادٌّ مُجِدُّ ، إلَّا أَنَّ الرَّحْمنَ اسمٌ مُخَصَّص باللهِ لا يَجوزُ أَن يُسَمَّى به غيرُهُ ، أَلا تَرَى أَنَّه قالَ : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) (٢) ، فعادَلَ به الاسْمَ الذي لا يَشْرَكُهُ فيه غيرُهُ.
وكانَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّاب يقالُ له رَحْمانُ اليَمامَةِ ؛ والرَّحِيمُ قد يكونُ بمعْنَى المَرْحومِ كما يكونُ بمعْنَى الرَّاحِم ، قالَ عَمَلَّسُ بنُ عقيلٍ :
فأَمَّا إذا عَضَّتْ بك الحَرْبُ عَضَّةً |
|
فإنَّك مَعْطوف عليك رَحِيم(٣) |
انْتَهَى.
وقالَ ابنُ عَبَّاس : هُما اسْمان رَقِيقان أَحَدُهما أَرَقّ مِن الآخرِ ، فالرَّحْمن الرَّقِيقُ ، والرَّحِيمُ العَاطِفُ على خَلْقِه بالرِّزْقِ.
وفي تَفْسيرِ الثَّعْلبيّ : وقد فَرَّقَ بَيْنهما قومٌ فقالوا : الرَّحْمن العاطفُ على جَمِيعِ خَلْقِه كافِرِهِم ومُؤْمِنِهم وفاجِرِهم بأَنْ خَلَقَهم ورَزَقَهم ، والرَّحِيمُ بالمُؤْمنينَ خاصَّةً بالهِدايَةِ والتَّوْفيقِ في الدُّنْيا والرُّؤْية في العُقْبى ؛ فالرَّحْمن خاصُّ اللّفْظِ عامُّ المعْنَى ، والرَّحِيمُ عامُّ اللفْظِ خاصُّ المعْنَى ؛ فالرَّحْمن خاصٌّ مِن حيثُ أَنَّه لا يُسمَّى به أَحَدٌ إلَّا اللهُ ، عامٌّ مِن حيثُ أَنَّه يَشْملُ جَمِيعَ المَوْجوداتِ مِن طريقِ الخَلْق والرِّزْق والنَّفْع والدَّفْع ، والرَّحِيمُ عامٌّ مِن حيثُ اشْتِراك المَخْلُوقِين في التَّسمّي به ، خاصٌّ مِن طريقِ المعْنَى لأنَّه يرجع إلى اللُّطفِ والتَّوْفيقِ ، وهذا معْنَى قَوْل جَعْفرٍ الصادِقِ : الرَّحْمن اسمٌ خاصٌّ لصفَةٍ عامَّةٍ والرَّحِيمُ اسمٌ عامٌّ لصفَةٍ خاصَّةٍ.
قلْتُ : وفيه مباحثُ اسْتَوْفَيناها في شرْحِ الرَّحْمة المسلسل بالأوّلية.
والرَّحَمُ ، محرَّكةً : خُروجُ الرَّحِمِ مِن علَّةٍ ، عن ابنِ الأعْرَابيِّ.
والرُّحامُ ، بالضمِ : أَن تَلِدَ الشاةُ ثم لا يَسْقُطَ سَلاها ، عن اللّحْيانيِّ.
وناقَةٌ رَحِمَةٌ ، كفَرِحَةٍ ، أَي رَحومٌ ، وجَمْعُ الرَّحومِ : رُحُمٌ بضمَّتَيْن.
ورجُلٌ رَحومٌ وامْرأَةٌ رَحومٌ أَي رَحِيمٌ.
وحاجبُ بنُ أَحْمدَ بنِ يَرْحُم الطَّوسِيُّ ، كيَنْصُرُ ، مُحَدِّثٌ مَشْهورٌ.
وجَمْعُ الرَّحِيم : الرُّحَماءُ. وجَمْعُ المَرْحَمةِ المَراحِمُ.
والرحامةُ مَصْدرِ الرَّحِمُ بمعْنَى وصلة القَرابَة.
__________________
(١) ديوانه ص ٥٩٨ وفيه «التنوم بدل الينبوت ، والبيتان في اللسان والتهذيب والتكملة ، وبهامش المطبوعة المصرية : قوله : لن تدركوا الخ قال في التكملة : هكذا أنشده وفيه تغيير من وجوه أحدها : أن البيتين مقدم ومؤخر ، والثاني : أن رخمان بالخاء المعجمة ، فإذن لا مدخل له في هذا التركيب ، والثالث : أن الرواية : هل تتركن ، والتنوم بدل الينبوت ، ومسحهم بدل ومسحكم اه»
(٢) الإسراء الآية ١١٠.
(٣) اللسان والصحاح.