حِيْن ينْشِدُ الظَّبْيُّ ظِلَّه ، أَي حِيْن يشْتدُّ (١) الحَرُّ فيَطْلبُ كِناساً يَكْتَنّ فيه من شِدَّةِ الحَرِّ.
ومكانٌ ظَلِيلٌ : ذو ظِلٍّ ، وفي العُبَابِ : وَارِفٌ ، أَو دائِمُهُ قد دَامَتْ ظِلالَتُه.
وقَوْلُهم : ظِلٌّ ظَليلٌ يكونُ منه ، وفي بعضِ النسخِ جنة وهو تَحْريفٌ صَوابُه منه كما ذَكَرْنا ، أو مُبالَغَةٌ كقَوْلِهم : شِعْر شاعِرٌ ، ومنه قَوْلُه تعالَى : (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) (٢).
وقالَ الرَّاغِبُ : هو كِنايَةٌ عن غَضَارَةِ العَيْشِ ، وقَوْلُ أُحَيْحَة بن الجُلاح يَصِفُ النَّخْلَ :
هِيَ الظِّلُّ في الحَرِّ حَقُّ الظلِي |
|
لِ والمَنْظَرُ الأَحْسَنُ الأَجْمَلُ (٣) |
قالَ ابنُ سِيْدَه : المعْنَى عنْدِي هي الشَّيءُ الظَّلِيلُ ، فوَضَعَ المَصْدرَ مَوْضِعَ الاسمِ.
وأَظَلَّ يَوْمُنا : صارَ ذا ظِلٍّ (٣) ، وفي العُبَابِ والصِّحاحِ : كانَ ذا ظِلٍّ.
واسْتَظَلَّ بالظِلِّ : اكْتَنَّ به ، وقيلَ : مالَ إليه وقَعَدَ فيه ، وبالشَّجَرَةِ : اسْتَذْرَى بها.
واسْتَظَلَّ من الشَّيءِ وبه أَي تَظَلَّلَ.
واسْتَظَلَّ الكَرْمُ : الْتَفَّتْ نَوامِيه.
واسْتَظَلَّتِ العُيونُ ، وفي المحيطِ : عَيْنُ الناقةِ ، غارَتْ ، قالَ ذو الرُّمَّةِ :
على مُسْتَظِلَّاتِ العُيونِ سَوَاهِمٍ |
|
شُوَيْكِيَةٍ يَكْسُو بُرَاها لُغَامُها (٤) |
يقولُ : غارَتْ عُيونُها فهي تَحْتَ العَجَاجِ مُسْتَظِلَّةٌ ، وشَوَيْكِيَةٌ حِيْن طَلَعَ نَابُها.
واسْتَظَلَّ الدَّمُ : كان في الجَوْفِ وهو المُسْتَظَلُّ ، ومنه قَوْلُه :
مِنْ عَلَق الجَوْفِ الذي كان اسْتَظَلَّ
وأَظَلَّنِي الشَّيءُ : غَشِيَنِي ، والاسمُ منه الظِّلُّ ، بالكسرِ ، وبه فَسَّرَ ثَعْلَب قَوْلَه تعالَى : (إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) (٥) أَو أَظَلَّنِي فلانٌ إذا دَنَا مِنّي حتى أَلْقَى عليَّ ظِلَّهُ من قُرْبه ، ثم قيلَ : أَظَلَّك أَمْرٌ ، ومنه الحدِيثُ : «أَيُّها الناسُ قد أَظَلَّكُم شَهْرٌ عظيمٌ ، أَي أَقْبَلَ عَلَيكُم ودَنَا منْكُم كأَنّه أَلْقَى عَلَيكُم ظِلَّهُ.
وظَلَّ نَهَارَهُ يَفْعَلُ كذا وكذا ، ولا يقالُ ذلِكَ إلَّا بالنَّهارِ ، كما لا يقُولُون بَاتَ يَبِيتُ إلَّا باللَّيلِ ، قالَهُ اللَّيْثُ وغيرُه ، وهو المَفْهومُ من كَلامٍ سِيْبَوَيْه.
وقالَ غيرُهم : يقالُ أَيْضاً ظَلَّ لَيْلَهُ يَفْعَلُ كذا لأَنَّه قد سُمِع في بعضِ الشِّعْرِ ، وهو قَوْلُ الأَعْشَى :
يَظَلّ رَجيماً لرَيْبِ المَنُونِ (٦)
وقد رَد عليه ذلِكَ وأَجَابُوا عنه بأَنَّ ظَلَّ بمعْنَى صَارَ ، ويُسْتَعْملُ في غيرِ النَّهارِ كما ذَكَرَه المصنّفُ في البلغة.
يَظَلُّ ، بالفتحِ ، أَي فهو من حَدِّ مَنَعَ ، وهي لُغَةٌ نَقَلَها الصَّاغانيُّ ولا وَهْمَ فيه كما زَعَمَه شيْخُنا ، ظَلَّا وظُلُولاً ، بالضم.
وظَلِلْتُ أَعْمَلُ كذا ، بالكسرِ ، أَي من حَدِّ تَعِبَ ، أَظَلّ ظُلولاً ، وعلى هذه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ وصاحِبُ المِصْباحِ.
قالَ اللَّيْثُ : ومِنَ العَرَبِ من يحذِفُ لامَ ظَلِلْت ونَحْوها فيقُولُون ظَلْتُ ، كَلَسْتُ ، ومنه قَوْلُه تعالَى : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) (٧) ، وهو من شَواذِّ التَّخفيفِ. وكذا قَوْلُه تعالَى : (ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) (٨) ، والأَصْلُ فيه ظَلِلْت ، حُذِفَتِ اللامُ لثِقَلِ التَّضْعيفِ والكَسْرِ وبَقِيَتِ الظاءُ على فَتْحِها.
وقالَ الصَّاغانيُّ : أَسْقَطُوا الأُوْلَى اسْتِثْقالاً لاجْتِمَاعِ اللَّامَيْن وتَرَكُوا الظاء على فَتْحِها واكْتَفُوا بتعارُفِ مَوْضِعِه وقِيَام الثانِيَة مَقَامُها.
ويقُولُونَ : ظِلْتُ كَمِلْتُ وبه قَرَأَ ابنُ مَسْعودٍ والأَعْمَشُ
__________________
(١) عن التهذيب وبالأصل «تشتد».
(٢) سورة النساء الآية ٥٧.
(٣) اللسان.
(٤) ديوانه ص ٦٤٠ واللسان والتكملة.
(٥) المرسلات الآية ٣٠.
(٦) ديوانه ط بيروت ص ٢٠٥ وعجزه فيه :
وللسقمِ في أهلِهِ والحَزَنْ
(٧) الواقعة الآية ٦٥.
(٨) طه الآية ٩٨.