وقَتَادَةُ وأَبُو البرهسم وأَبُو حَيْوَة وابنُ أَبي عَبَلَة ، هي لُغَةُ الحجازِ على تَحْويلِ كَسْرةِ اللامِ على الظاءِ ، ويجوزُ في غيرِ المكْسُورِ نَحْو هَمْت بذلِكَ أَي هَمَمْت ، وأَحَسْتُ بذلِكَ أَي أَحْسَسْت ، وهذا قَوْلُ حُذَّاق النَّحويِّين.
وقالَ ابنُ سِيْدَه : قالَ سِيْبَوَيْه : أَمَّا ظِلْتُ أَصْلُه ظَلِلْتُ إلّا أَنَّهم حَذَفُوا فأَلْقُوا الحَرَكَةَ على الفاءِ كما قالُوا خِفْت وهذا النّحْوُ شاذٌّ ، وأَمَّا ما أَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ لرجُلٍ من بنِي عقيل :
أَلَمْ تَعْلَمِي ما ظِلْتُ بالقومِ واقِفاً |
|
على طَلَلٍ أَضْحَتْ مَعَارِفُه قَفْرا (١) |
قالَ ابنُ جنيِّ : قالَ كَسَرُوا الظاءَ في إنْشادِهم وليْسَ من لُغَتِهم.
وقالَ الرَّاغِبُ : يُعَبَّرُ بظَلّ عَمَّا يُفْعَل بالنّهارِ ويُجْرَى مجرى صرْت ، قالَ تعالَى : (ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) انتَهَى.
قالَ الشِّهابُ : فهو فعْلٌ ناقِصٌ لثُبُوتِ الخَبَرِ في جميعِ النَّهارِ ، كما قالَ الرَّضيّ لأَنَّه لوقت فيه ظلّ الشمس من الصَبَاحِ للمَساءِ أَو من الطُّلوعِ للغُرُوبِ فإذا كانَتْ بمعْنَى صَارَ عَمَّتِ النَّهارَ وغيرِه ، وكذا إذا كَانَتْ تامَّةً بمعْنَى الدَّوام ، كذا في شَرْحِ الشفاءِ.
وقالَ الرَّضِي : قالُوا لم تستعمل ظَلَّ إلَّا ناقِصَة.
وقالَ ابنُ مالِكٍ : تكونُ تامَّةً بمعْنَى طَالَ ودَامَ ، وقد جاءَتْ ناقِصَةً بمعْنَى صَارَ مُجَرَّدَة عن الزَّمانِ المَدْلولِ عليه بتَرْكِيبِه ، قالَ تعالَى : ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا (٢).
والظَّلَّةُ : الإِقامةُ.
وأَيْضاً الصِحَّةُ ، هكذا في النسخِ ولم أَجِدْه في الأُصولِ التي بأَيْدِينا ، وأَنَا أَخْشَى أَنْ يكونَ تَحْريفاً ، فإِنَّ الأَزْهَرِيَّ وغيرَه ذَكَرُوا من مَعَاني الظُّلّةُ ، بالضمِّ ، الصَّيْحَةُ فتأَمَّلْ.
والظُّلَّةُ ، بالضمِ : الغاشِيَةُ.
وأَيْضاً : البُرْطُلَّةُ ، وفي التَّهْذِيبِ : والمِظَلَّةُ البُرْطُلَّةُ ، قالَ : والظُّلَّةُ والمِظَلَّةُ سواءٌ ، وهو ما يُسْتَظَلُّ به من الشمسِ. قلْتُ : وقد تقدَّمَ للمصنِّفِ أَنَّ البُرْطُلَّة المِظَلَّة الضَّيَّقَة ، وتقدَّمَ أَنَّها كَلِمَةٌ نَبَطِيَّة.
والظُّلَّةُ : أَوَّلُ سَحابَةٍ تُظِلُّ ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن أَبي زَيْدٍ.
قالَ الرَّاغِبُ : وأَكْثَرُ ما يقالُ فيما يُسْتَوْخَم ويُكْرَهُ ، ومنه قَوْلُه تعالَى : وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ (٣) (كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) ، ونَصّ الصِّحاحِ : يظل ، وفي بعضِ الأُصُولِ أُوْلِى سَحابَةٍ ومنه الحدِيثُ «البقرةُ وآلُ عمرانَ كأَنَّهما ظُلَّتانِ أَو غَمَامَتانِ».
وأَيْضاً : ما أَظَلَّكَ من شجرٍ ، وقيلَ : كلُّ ما أَطْبَقَ عليك ، وقيلَ : كلُّ ما سَتَرَكَ من فَوْق.
وفي التَّنْزيلِ العَزِيزِ : فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ (٤).
قالَ الجَوْهَرِيُّ : قالوا غَيْم تحتَهُ سَمومٌ.
وفي التَّهْذِيبِ : أَو سَحابَةٌ أَظَلَّتْهُم فاجْتَمَعُوا تحتَها مُسْتَجيرينَ بها ممَّا نَالَهُم من الحَرِّ فأَطْبَقَتْ عليهم وهَلكُوا تحتَها.
ويقالُ : دَامتْ ظِلالَةُ الظِلِّ ، بالكسرِ ، وظُلَّتُه ، بالضمِ ، أَي ما يُسْتَظَلُّ به من شَجَرٍ أَو حَجَرٍ أَو غيرِ ذلِكَ.
والظُّلَّةُ أَيْضاً : شيءٌ كالصُّفَّةِ يُسْتَتَرُ به من الحَرِّ والبَرْدِ ، نَقَلَه الأَزْهرِيُّ ، ج ظُلَلٌ كغُرْفَةٍ وغُرَفٌ ، وظِلالٌ كعُلْبَةٍ وعِلابٍ ، ومن الأوَّلِ قَوْلُه تعالَى : إِلّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ (٥) أَي يَأْتِيَهُم عَذَابَه ، وقُرِىءَ أَيْضاً في ظِلالٍ ، وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسائي وخَلَف : في ظُلَلٍ على الأَرَائِكِ مُتَّكِئُون (٦).
وقَوْلُه تعالَى : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ (٧) ، قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ : هي ظُلَلٌ لمَنْ تحتهم وهي أَرْضٌ لَهُم ، وذلِكَ أَنَّ جهنَّم أَدْرَاكٌ وأَطْباقٌ ، فبِسَاطُ هذه ظُلَّةٌ لمَنْ تحتها ، ثم هَلُمَّ جَرّا حتى ينْتهوا إِلى القَعْرِ.
وفي الحدِيثِ : أَنَّه ذَكَرَ فِتَناً كأَنَّها الظُّلَلُ ، أَرَادَ كأَنَّها الجِبَالُ والسُّحُب ، قالَ الكُمَيْتُ :
__________________
(١) اللسان.
(٢) سورة الزخرف الآية ١٧.
(٣) سورة الأعراف الآية ١٧١.
(٤) الشعراء الآية ١٨٩.
(٥) سورة البقرة الآية ٢١٠.
(٦) سورة يس الآية ٥٦ والقراءة : (فِي ظِلالٍ).
(٧) الزمر الآية ١٦.