والبُورقُ ، بالضمّ الذي يُجْعَل في العَجِين ، وهو أَصْنافٌ أَرْبَعَة : مائيٌّ ، وجبليٌّ ، وأَرْمنيٌّ ، ومصْريٌّ ، وهو النَّطْرُونُ أَجوَدُه الأَرْمَنيُّ ، وقالَ : الإِطْلاقُ يُخَصُّ به ، لتَوَلُّدِه بها أَوَّلاً (١) ، ويُسَمّى الأَرْمَنيُّ أَيضاً بُورَقَ الصّاغَةِ ؛ لأَنَّه يَجْلُو الفِضَّةَ جَيِّداً ، والأَغْبَرُ منه يُسمَّى بُورَقَ الخَبّازِينَ ، وأَما النَّطْرُونُ فهُوَ الأَحْمَرُ منه ، ومنه ماله دُهْنِيّة ، ومنه قِطَعٌ رِقاقٌ زُبْدِيَّةٌ ، وهذِه إِن كانَتْ خَفِيفَةً صُلْبَةً فهو الإِفْرِيقِيُّ ، والمُتَوَلِّدُ بمِصْر أَجْوَدُه مسْحُوقُه يُلْطخُ به البطْنُ قَريباً من نارٍ ، فإِنَّه يُخْرجُ الدُّود ، ومدُوفا بعَسَلٍ أَو دُهْنِ زَنْبَقٍ تُطْلى به المذاكيرُ فإِنَّه عجِيبُ للباءة كما شاعَ عند الحُكَماءِ عن تَجْرِبَةٍ.
ومِمَّنْ نُسِبَ إِلى بَيْعِه : أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ عَمْرٍو البُورَقِيُّ ، وضَّاعٌ.
والإِسْتَبْرَقُ بالكسرِ : الدِّيباجُ الغَليظُ أَخْرَجَهُ ابنُ أَبِي حاتِمٍ عن الضَّحّاكِ ، كما في الإِتْقان ، وهو فارسِيٌّ مُعَرَّبٌ هنا نَقَلَه الجَوهَرِيُّ ، هكذا عَلَى أَنَّ الهَمْزةَ والتاءَ والسِّينَ من الزَّوائِدِ ، وذَكَرَها أَيضاً في السِّين والرَّاءِ ، وذَكَرَها الأَزْهَرِيُّ في خُماسِيِّ القافِ على أَنَّ هَمْزَتَها وَحْدَها زائِدَةٌ ، وقال : إِنَّها وأَمْثالَها من الأَلفاظِ حُروفٌ غريبةٌ ، وقَعَ فيه وِفاقٌ بين العَرَبِيَّةِ والعَجَميَّةِ ، قالَ ابنُ الأَثِير : وهذا عِنْدِي هو الصَّوابُ ، ثم اخْتَلَفُوا فيه ، فقيلَ : إِنه مُعَرَّب اسْتَرْوَه وهو نَصُّ ابنِ دُرَيْدٍ في الجَمْهَرةِ ، في : بابِ ما أُخِذَ من السُّريانِيَّة ، ووقَعَ في تَفْسِيرِ الزَّجّاجِ اسْتَفْرَه ، وقِيلَ : هو فارِسِيٌّ تَعْرِيبُ اسْتَبْرَه ، ومعنى سِتَبْر ، واسْتَبْر : الغَليظ مُطْلَقاً ، ثُمَّ خُصَّ بغليظِ الدِّيباجِ ، فقِيلَ : سِتَبْرَه ، واسْتَبْرَه ، بتاء النَّقْل ، ثم عُرِّبَ بالقافِ بدلَ الهاءِ ، وعلى هذا الوجه اقْتَصَرَ الشِّهابُ الخَفاجيُّ في شَرْحِ قولِ البَيْضاوِيّ : هو معرَّب «اسْتَبْرَه» وقولُه : «فما في القامُوس خَطَأٌ وخَبْطٌ» قلت : لا خَطَأَ فيه ولا خَبْطَ ، بل أَوْرَدَ الأَقْوالَ بعَيْنِها ، كما نَصَّ عليه أَئمَّةُ اللُّغَةِ ، كما ستَقفُ عليه ، وأَمّا كونُه مُعَرَّب «اسْتَرْوَه» فقد عَرَّفْناك أَنَّه بعينِه نصُّ ابنِ دُرَيْدٍ في الجَمْهَرَةِ ، وأَنّه مُعَرَّبٌ عن السُّرْيانِيَّة ، فلا وَهَمَ فيه ، فتَأَمَّلْ. وقالَ شيخُنا : الصَّوابُ في اسْتَبْرَق أَن يُذْكَرَ في فَصْلِ الهَمْزَةِ ؛ لأَنَّهُ عَجَمِيٌّ إِجْماعاً ، وهمزَتُه قَطْعٌ في صَحِيحِ الكلامِ ، لا أَنَّه مأْخُوذٌ من البَرْقِ ، حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَنَّه اسْتَفْعَل ، كما تَوَهَّمه المصنِّفُ.
قلتُ : ولكِنّه سَيَأْتِي أَنَّ تَصْغِيرَه أُبَيْرِقٌ ، كما نصَّ عليه الجَوْهَرِيُّ وغيرهُ ، وفي التَّصْغِير يُرَدُّ الشيءُ إِلى أَصْلهِ ، فعُلِمَ أَنَّ أَصْلَه «برق» وهذا مَلْحَظُ الجوهَرِيِّ ، ولو أَنَّ ابنَ الأَثيرِ وغَيْرَه خالَفُوهُ في ذلِكَ ، ثُمّ نَقَلَ شَيْخُنا عن الشِّهابِ في العِنايةِ ـ في أَثناءِ الدُّخانِ ـ ما نَصُّه : أَيَّدَ كَوْنَه عَربِيًّا من البَرّاقَةِ ، فَوَصَلَ الهَمزَةَ ، قال شيخُنا : في إِثباتِ الوَصْلِ نَظَرٌ : انتهى.
قلتُ : لا نَظَر فيهِ ، فقد نَقَلَه أَبو الفَتْحِ بنُ جِنِّي في كتاب الشَّواذِّ عن ابْنِ مُحَيْصِنٍ في قَوْلِه تَعالى : بَطائِنُها مِن اسْتَبْرَقَ (٢) قالَ : وكأَنّه تَوَهَّمَه فِعْلاً ، إِذْ كانَ عَلَى وَزْنِه ، فتَرَكَه مَفْتُوحاً على حالِه ، فتَأَمَّلْ.
أَو دِيباجٌ صَفِيقٌ غَليظٌ حَسَنٌ يُعْمَلُ بالذَّهَبِ وبه فُسِّرَ قولُه تَعالى : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) (٣) أَو ثِيابُ حَرِيرٍ صفاقٌ نَحْوُ الدِّيباجِ وهو قولُ ابنِ دُرَيْدٍ ، وقِيلَ : هو ما غَلُظَ من الحَرِيرِ والإِبْرِيسَمِ ، قالَهُ ابنُ الأَثِير أَوقِدَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنّها قِطَعُ الأَوْتارِ نَقَله ابنُ عَبّادٍ وتَصْغِيرُه أُبَيْرِقٌ نقله الجَوْهَرِيُّ.
والبُرَيْقُ بنُ عِيَاض بنِ خُوَيْلِدٍ الخُناعِيُّ كزُبَيْرٍ : شاعِرٌ هُذَلِيٌّ من بَنِي خُناعَةَ.
وأَرْعَدُوا وأَبْرَقُوا : إِذا أَصَابَهُم رَعْدٌ وبَرْقٌ.
وحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ وأَبُو عَمْرٍو : أَرْعَدَت السَّماءُ وأَبْرَقَتْ : إِذا أَتَتْ بهما وكذلِكَ رَعَدَت وبَرَقَتْ ، وقد تَقَدَّمَ.
وأَرْعَدَ فلانٌ وأَبْرَقَ : إِذا تَهَدَّدَ وأَوْعَدَ وكذلِك رَعَدَ وَبَرَقَ ، وقد تَقَدَّم ، ولو ذَكَر الثُّلاثِيَّ والرُّباعِيَّ في موضعٍ واحِدٍ كان أَتْقَنَ في الصِّناعةِ ، كما لا يَخْفَى ، وقد تَقَدَّم إِنكارُ الأَصْمَعِيِّ أَرْعَدَ وأَبْرَقَ.
__________________
(١) قال داود في تذكرته : المتعارف الآن أن البورق هو الأبيض الخالص اللون الهش الناعم.
(٢) سورة الرحمن الآية ٥٤.
(٣) سورة الإنسان الآية ٢١.