القُرْآنَ ، ويَتَقَعَّرُونَ الْعِلْمَ ، وإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ ، وأنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ ، قال : إذا لَقِيتَ أُولِئِكَ فَأَخْبِرْهُم أَنِّي منهم بَرِيءٌ ، وأَنَّهُم بُرَآءُ مِنِّي».
والأُنُفُ أيضاً : الْمِشْيَةُ الْحَسَنَةُ ، نَقَلَهُ ابنُ عَبَّادٍ ، وقَالَ آنِفاً وَسَالِفَاً ، كصاحِب ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ ، وأَنِفاً ، مِثْل كَتِفٍ ، وَهذه عن ابن الأَعْرَابِيِّ ، وقُرِىءَ بهما قولُه تعالى : (ما ذا قالَ آنِفاً) (١) وأَنِفاً قال ابنُ الأَعْرَابِيِّ : أي مُذْ ساعَةٍ وقال الزَّجَاجُ : أي ما ذا قالَ السَّاعَةَ ، أي : في أَولِ وَقْتٍ يَقْرُبُ مِنّا.
ونَقَلَ ابنُ السِّكِّيتِ عن الطَّائِي : أَرْضٌ أَنِيفَةُ النَّبْتِ : إذا أَسْرَعَت النَّبَاتَ ، كذا نَصُّ الصِّحاح ، وفي المُحْكَمِ : مُنْبِتَةٌ (٢) ، وفي التَّهْذِيب : بَكَّرَ نَباتُهَا ، وكذلك أَرْضٌ أُنُفٌ ، قال الطَّائِيُّ : وهي أَرْضٌ آنَفُ بِلَادِ الله كما في الصِّحاح ، أي أَسْرَعُها نَباتاً ، قال الجَوْهَرِيّ : ويُقَال أَيْضاً : آتِيكَ من ذِي أُنُفٍ ، بضَمَّتَيْنِ ، كما تقول : مِن ذِي قُبُلٍ : أي فِيما يُسْتَقْبَلُ ، وَقال اللَّيْثُ : أَتَيْتُ فُلانًا أُنُفاً ، كما تَقُولُ : من ذِي قُبُل ، وقال الكِسَائِيُّ : آنِفَةُ الصِّبَا (٣) ، بالْمَدِّ : مَيْعَتُهُ ، وَأَوَّلِيَّتُهُ ، وَهو مَجَازٌ ، قال كُثَيِّرٌ :
عَذَرْتُكَ في سَلْمَى بِآنِفَةِ الصِّبَا |
|
وَمَيْعَتِه إِذْ تَزْدَهِيكَ ظِلالُهَا |
وقال أَبو ترابٍ : الأَنِيفُ ، والْأَنِيثُ بالفَاءِ والثَّاءِ مِنَ الْحَدِيدِ : اللِّيِّنُ.
وقال ابنُ عَبَّادٍ : الْأَنيفُ من الْجِبَالِ : الْمُنْبِتُ قَبْلَ سائِرِ الْبِلَادِ.
قال : والْمِئْنَافُ ، كمِحْرَابٍ : الرجلُ السَّائِرُ في أَوَّلِ اللَّيْلِ ، هكذا في سائِرِ النُّسَخِ ، ونَصُّ المُحِيطِ : في أَوَّلِ النَّهَارِ ، ومِثْلُه في العُبَابِ ، وهو الصَّوابُ ، وقال الأَصْمَعِيُّ : الْمِئْنَافُ : الرَّاعِي مَالَهُ أُنُفَ الْكَلإِ ، أي أَوَّلَهُ ، ومن كتابِ عَلِيِّ بنِ حمزَةَ : رجلٌ مِئنافٌ : يَسْتَأْنِفُ الْمَرَاعِيَ والْمَنَازِلَ ، وَيُرَعّيِ مَالَهُ أُنُفَ الْكَلإِ. وأَنِفَ منه ، كفَرِحِ ، أَنَفاً ، وأَنفَةً ، مُحَرَّكَتَيْنِ : أي اسْتَنْكَفَ ، يُقَال : ما رأَيْتُ أَحْمَى أَنْفاً ، ولا آنَفَ مِن فُلانٍ ، كما في الصِّحاح.
وَفي اللِّسَانِ : أَنِفَ مِن الشَّيْءِ أَنَفاً : إذا كَرِهَهُ ، وشَرُفَتْ عنه نَفْسُه ، وفي حديثِ مَعْقِلِ بن يَسَارِ : «فَحَمِيَ مِن ذلِك أَنْفاً» أي : أَخَذَتْهُ الْحَمِيَّةُ مِن الغَيْرَةِ والغَضَبِ ، وقال أَبو زيد : أَنِفْتُ مِنْ قَوْلِكَ لِي أَشَدَّ الْأَنَفِ ، أي : كَرِهَتْ ما قُلْتَ لِي.
وقال ابنُ عَبَّادٍ : أَنِفَتِ المَرْأَةُ تَأْنَفُ : إذا حَمَلَتْ فلم تَشْتَهِ شَيْئاً ، وَفي اللِّسَانِ : الْمَرْأَةُ والنّاقَةُ والْفَرَسُ تَأْنَفُ فَحْلَهَا إذا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا (٤).
وأَنِفَ الْبَعِيرُ : أي اشْتَكَى أَنْفَهُ مِن الْبُرَةِ ، فهو أَنِفٌ ، ككَتِفٍ ، كما تَقُول : تَعِبَ فهو تَعِبٌ ، عن ابنِ السِّكِّيتِ ، وَفي الحديثِ : الْمُؤمِنُ كَالْجَملِ الْأَنِفِ ، إِنّ قِيدَ اْنقادَ ، وَإِن اسْتُنِيخَ (٥) علَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ» ، وذلك للْوَجَعِ الذي به ، فهو ذَلُولٌ مُنْقَادٌ ، كذا نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ ، وقال غيرُه : الْأَنِفُ : الذي عَقَرَهُ الْخِطَامُ ، وإِنْ كان مِن خِشَاشٍ أو بُرَةٍ أَو خِزَامَةٍ في أَنْفِهِ ، فمَعْنَاهُ أنه ليس يَمْتَنِعُ عَلَى قَائِدِهِ في شيءٍ ؛ لِلْوَجَعِ ، فهو ذَلُولٌ مُنْقَادٌ ، وقال أَبو سَعِيدٍ : الجَمَلُ الْأَنِفُ : الذَّلِيلُ المُؤَاتِي ، الذِي يَأْنَفُ مِن الزَّجَرِ والضَّرْبِ ، ويُعْطِي ما عندَه مِن السَّيْرِ عَفْواً سَهْلاً ، كذلِكَ المُؤْمِنُ لا يَحْتَاجُ إلى زَجْرٍ ولا عِتَابٍ ، وما لَزِمَهُ مِن حَقٍّ صَبَرَ عَلَيه ، وقامَ به.
قال الجَوْهَرِيُّ : وقال أَبو عُبَيْدٍ ، وكانَ الأَصْلُ في هذا أَن يُقَالَ : مَأَنُوفٌ ، لأَنَّه مَفْعُولٌ به ، كما قالوا : مَصْدُورٌ ومَبْطُونٌ ، لِلَّذِي يَشْتَكِي صَدْرَه وبَطْنَه ، وجميعُ ما في الجَسَدِ علَى هذا ، ولكِنَّ هذا الحَرفَ جاءَ شَاذًّا عنهم. انتهى.
ويُقَال أَيضاً : هو آنِفٌ ، مثل صَاحِبٍ ، هكذا ضَبَطَهُ أَبو عُبَيْدٍ ، قال الصَّاغَانِيُّ : والأَوَّلُ أَصَحُّ وأَفْصَحُ ، وَعَلَيهِ اقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ : وهو قَوْلُ ابنِ السِّكِّيتِ.
قلتُ : وهذا القَوْلُ الثَّانِي قد جاءَ في بَعْضِ رِوَاياتِ الحَدِيثِ : «إنَّ الْمُؤْمِنَ كَالبَعِيرِ الْآنِفِ» أي : أَنَّه لا يَرِيمُ التَّشَكِّي (٦).
__________________
(١) سورة محمد الآية ١٦.
(٢) عن اللسان وبالأصل «منبت».
(٣) في القاموس المطبوع : «الصبي» وعلى هامشه عن نسخة أخرى «الصبا» كالأصل والتكملة.
(٤) بعدها في اللسان والتهذيب : فكرهته ، وهو الآنَفُ.
(٥) في اللسان «وإن أُنيخ» والمثبت كالصحاح.
(٦) أي يديم التشكي مما به إلى مولاه لا إلى سواه.