قالَ أَبُو عَمْرٍو : هو حَرْفٌ حَدِيدٌ مُنْفَرِدٌ من الجَبَلِ ، وهذا يَقْتَضِي أَنَّ النُّونَ أَصْلِيَّةٌ ، والصَّوابُ أَنَّهَا زائِدَةٌ ، وأَصْلُه صدع.
[صنع] : صَنَعَ إِليهِ مَعْرُوفَا ، كمَنَع ، صُنْعاً ، بالضَّمِّ ، أَي قَدَّمَه ، وكذلِكَ اصْطَنَعَه.
وِصَنَعَ بهِ صَنِيعاً قَبِيحاً ، أَي فَعَلَه ، كَمَا فِي الصّحاحِ.
وِصَنَع الشَّيْء صَنْعاً وصُنْعاً ، بالفَتْحِ والضَّمِّ ، أَي عَمِلَه ، فهو مَصْنُوعٌ ، وصَنِيعٌ.
وقَالَ الرّاغِبُ : الصُّنْعُ : إِجادَةُ الفِعْلِ ، وكُلُّ صُنْعٍ فِعْلٌ ، وليسَ كُلُّ فِعْلٍ صُنْعاً ، ولا يُنْسَبَ إِلى الحَيواناتِ والجَمَاداتِ ، كما يُنْسَبُ إِليها الفِعْلُ انتهى.
وفي الحَدِيث : «إِذا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ ما شِئتَ» وهو أَمْرٌ مَعْنَاهُ الخَبَرُ ، وقِيلَ : غيرُ ذلِكَ ممّا هو مَذْكُورٌ في العُبَابِ واللِّسَانِ (١).
وِما أَحْسَن صُنْعَ الله! بالضَّمِّ ، وصَنيعَ الله ، كأَمِيرٍ ، عِنْدَكَ.
وقولُه تَعَالَى : (٢) قالَ أَبو إِسحاقَ الزَّجّاجُ : القِرَاءَةُ بالنَّصْبِ ، ويَجُوزُ الرَّفْعُ ، فمَنْ نَصَبَ فعَلَى المَصْدَرِ ، كأَنَّه قال : صَنَعَ الله ذلِكَ صُنْعاً ، ومن قَرَأَ بالضَّمِّ فعَلَى مَعْنَى : ذلِكَ صُنْعُ الله. والصِّنَاعَةُ ، ككِتَابَةٍ : حِرْفَةُ الصّانِعِ ، وعَمَلُه الصَّنْعَةُ ، بالفَتْحِ كما في الصّحاحِ.
قال : وصَنْعَةُ الفَرَسِ : حُسْنُ القِيَامِ عليهِ ، وهو مَجَازٌ ، تقولُ منه : صَنَعْتُ فَرَسِي صَنْعاً ، وصَنْعَةً ، وذلِكَ الفَرَسُ صَنِيعٌ* ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ ، وأَنْشَدَ للشّاعِرِ (٣) ـ وهو عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ :
فنَقَلْنا صَنْعَهُ حَتَّى شَتَا |
|
ناعِمَ البالِ لَجُوجاً في السَّنَنْ |
وخَصَّ بهِ اللِّحْيَانيُّ الأُنْثَى من الخَيْلِ.
وِالسَّيْفُ الصَّنِيعُ : الصَّقِيلُ ، وقالَ الجَوْهَرِيُّ : المَجْلُوُّ ، وزادَ غيرُه : المُجَرَّبُ ، وفي الأَساسِ : المُتَعَهَّدُ بالجِلَاءِ ، قال عَمْرُو بن مَعْدِيكَرِبَ رضِيَ الله عنه ، يَصِفُ حِمَاراً أَقْمَرَ وأُتُنَه :
فأَوْفَى عندَ أَقْصَاهُنَّ شَخْصَاً |
|
يَلُوحُ كأَنَّهُ جَيْفٌ (٤) صَنِيعُ |
أَي : مَصْقُولٌ ، قد صُنِعَ وهُيِّءَ ، فَعِيلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للشّاعِرِ :
بَأَبْيَضَ مِنْ أُمَيَّةَ مَضْرَحِيٍّ |
|
كأَنَّ جَبِينَهُ سَيْفٌ صَنِيعُ |
وفي العُبَابِ : هو لِرَجُلٍ من بَكْرِ بنِ وائِلٍ يَمْدَحُ أُمَيَّةَ بنَ عَبْدِ الله بنِ خالِدِ بنِ أَسِيدِ بنِ أَبِي العاصِ بنِ أُمَيَّةَ ، وفِي اللِّسَانِ : هو لعَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ الحَكَم بنِ أَبِي العاصِ يَمْدَحُ مُعَاوِيَةَ ، وصَدْرُه (٥).
أَتَتْكَ العِيسُ تَنْفَحُ في بُرَاهَا |
|
تَكَشَّفُ عن مَنَاكِبِها القُطُوعُ |
بأَبْيَضَ مِنْ أُمَيَّةَ ... الخ ، ووَجَدْتُ في هامِشِ الصّحاحِ ما نَصُّه : وكانَ مِنْ خَبَرِ هذَا الشِّعْرِ أَنَّ مَرْوَانَ شَخَصَ إِلى مُعَاوِيَةَ ، ومَعَه أَخُوه عبدُ الرَّحْمنِ ، فلمّا قَرُبَ قَدَّمَ عبدَ الرَّحْمنِ أَمامَه ، فلَقِيَ مُعَاوِيَةَ ، فقالَ :
«أَتَتْك العِيسُ ...
__________________
(١) قال أبو عبيد : قال جرير (بن عبد الحميد) معناه : أن يريد الرجل أن يعمل الخير فيدعه حياء من الناس ، كأنه يخاف مذهب الرياء ، يقول : فلا يمنعك الحياء من المضي لما أردت. قال أبو عبيد : والذي ذهب إليه جرير معنى صحيح في مذهبه ولكن الحديث لا يدل سياقه ولا لفظه على هذا التفسير. قال أبو عبيد : ووجهه عندي أنه أراد بقوله :إذا لم تستح فاصنع ما شئت إنما هو : من لم يستح صنع ما شاء ، على جهة الذم ، لترك الحياء. ولم يرد بقوله : فاصنع ما شئت أن يأمره بذلك أمراً ، ولكنه أمر معناه الخبر ، كقوله عليهالسلام : من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ، ليس وجهه أنه أمره بذلك ، إنما معناه من كذب عليّ تبوأ مقعده من النار ، والذي يراد من الحديث أنه حثَّ على الحياء وأمرَ به وعاب تركه. وقال ثعلب في قوله : إذا لم تسنح فاصنع ما شئت ، قال : هذا على الوعيد ، فاصنع ما شئت فإن الله يجازيك ، وأنشد (لأبي تمام) :
إذا لم تخشَ عاقبة الليالي |
|
وِلم تستحِ فاصنع ما تشاء |
وهو كقول الله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف : ٢٩). قاله في التهذيب ٢ / ٤٠ «صنع».
(٢) سورة النمل الآية ٨٨.
(*) عبارة القاموس : والصَّنيعُ ذلك الفرس.
(٣) بالأصل : الشاعر.
(٤) في المطبوعة الكويتية : كأنه سيفٌ.
(٥) كذا بالأصل.