وهو الأَعْرَفُ الأَشْهَرُ. وذَكَر الشَّيْخُ ابنُ مالِكٍ أَنَّهُ أَكْثَرِيُّ. وَرَدَ في المُثْبَتِ في أَحادِيثَ عِدَّةٍ في الصَّحيحِ ، كما سَيَأْتِي للمُصَنِّفِ قَريباً أَي فيما مَضَى من الزَّمَانِ ، أَو فِيما انْقَطَعَ من عُمُرِي.
وقالَ اللَّيْثُ : وأَمّا قَطُّ فإِنَّهُ هو الأَبَدُ الماضِي ، تَقُول : مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ ، وهُوَ رَفْعٌ ؛ لأَنَّهُ [غايةٌ] (١) مِثْلُ قَبْلُ وبَعْدُ ، قالَ : وأَمَّتا القَطّ الّذِي في مَوْضِعِ : ما أَعْطَيْتُه إِلاّ عِشْرِينَ قَطٍّ ، فإِنَّهُ مَجْرُورٌ ، فَرْقاً بين الزَّمَانِ والعَدَدِ. وقَطُّ مَعْنَاها الزَّمانُ.
وإِذا كانَتْ بمَعْنَى حَسْبُ ، فَقَطْ مَفْتُوحَةَ القافِ ساكِنَةَ الطّاءِ كعَنْ [فقد] قالَ سِيبَوَيه : مَعْنَاهَا الاكْتِفَاءُ وقد يُقَالُ : قَطٍ ، مُنَوّناً مَجْرُوراً ، وقَطِي ، وقال سِيبَوَيْه : قَطُ معنَاها : الانْتِهَاءُ ، وبُنِيَتْ على الضَّمِّ كحَسْبُ ، هكَذا هو في اللِّسَانِ. وقال شيخُنَا : هذِه عِبَارَةٌ غيرُ جارِيَةٍ على القَوَاعِدِ ؛ لأَنّ قَضِيَّةَ التَّعْبِيرِ بالمَجْرُورِ أَنْ تكونَ مُعْرَبةً ، ولا تُعرَب ، فتأَمَّلْ ؛ والنَّظَرُ في قَطِي أَظْهَرُ ، فإِنَّهَا حِينَئِذٍ مُضَافَةٌ إِلى الياءِ ، فلا حاجَةَ إِلى ذِكْرِها كذلِكَ ، وتَحْقِيقُه في المُغْنِي وشُرُوحِه.
وعِبَارَةُ الصّحاحِ : فأَمّا إِذا كانَتْ بمَعْنَى حَسْبُ ، وهو الاكْتِفَاءُ ، فهي مَفْتُوحةٌ ساكِنَةُ الطّاءِ ، تَقُول : ما رَأَيْتُه إِلاّ مرّةً وَاحِدَةً فقَطْ ، فإِذا أَضَفْتَ قُلْتَ : قَطْكَ هذا الشَّيْءُ ، أَي حَسْبُكَ ، وقَطْنِي ، وقَطِي ، وقَطْ.
قلتُ : وفي الحَدِيث في ذِكْرِ النّارِ : «حَتَّى يَضَعَ الجَبَّارُ قَدَمَهُ فِيها ، فتَقُولُ : قَطْ قَطْ» ، بمَعْنى حَسْبُ ، قال ابنُ الأَثِيرِ : وتَكْرَارُهَا للتَّأْكِيدِ ، وهي ساكِنَةُ الطّاءِ. وقال : ورَواهُ بعضُهم «قَطْنِي» أَي حَسْبِي.
وإِذا كان اسْمَ فِعْلٍ بمَعْنى يَكْفِي فتُزادُ نُونُ الوِقايَةِ ، ويُقالُ : قَطْنِي قال : شيْخُنا : هو الَّذِي جَزَمَ بهِ جَماعَةٌ منهم الشَّيْخُ ابنُ هِشامٍ. وفي اللِّسَانِ : وزادُوا النُّونَ في قَطْ ، فقالُوا : قَطْنِي ، لم يُرِيدُوا أَنْ يَكْسِرُوا الطّاءَ ، لئَلاَّ يَجْعَلُوهَا بمَنْزِلَة الأَسْمَاءِ المُتَمَكِّنَةِ ، نحو : يَدِي وهَنِي ، وقال بَعْضُهُم : قَطْنِي : كَلِمَةٌ مَوْضُوعَةٌ لا زِيَادَةَ فِيها كحَسْبِي ، قال الرّاجِزُ :
امْتَلأَ الحَوْضُ وقال : قَطْنِي |
|
سَلًّا رُوَيْداً قد مَلأْتَ بَطْنِي (٢) |
ويُرْوَى : «مَهْلاً رويداً». وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ هذا الرَّجَزَ هكذا ، وقال : وإِنَّما دَخَلَتِ النُّونُ لِيَسْلَمَ السُّكُونُ الَّذِي بُنِيَ الاسْمُ عليه ، وهذِه النُّونُ لا تَدْخُلُ الأَسْمَاءَ ، وإِنَّمَا تَدْخُلُ الفِعْلَ الماضِيِ (٣) إِذا دَخَلَتْهُ ياءُ المُتَكَلِّم ، كقَوْلِك : ضَرَبَنِي وكَلَّمَنِي ؛ لتَسْلَمَ الفَتْحَةُ التي بُنِيَ الفعلُ عليها ، ولِتَكُونَ وِقَايَةً لِلفِعْلِ من الجَرِّ ، وإِنَّما أَدْخَلُوهَا في أَسْمَاءَ مَخْصُوصَةٍ نحو : قَطْنِي وقَدْنِي وعَنِّي ومِنِّي ولَدُنِّي ، لا يُقَاسُ عليها ، ولو كانت النُّونُ من أَصْلِ الكَلِمَةِ لقالُوا : قَطْنُكَ ، وهذا غيرُ معلومٍ. انتهى.
وقال اللَّيْث : قَطْ خَفِيفَةٌ بمَعْنَى حَسْب ، تقول : قَطْكَ الشَّيْءُ ، أَي حَسْبُكَ. قال : ومثله قَدْ ، قال : وهُمَا لم يَتَمَكَّنا في التَّصْرِيفِ ، فإِذا أَضَفْتَهُمَا إِلى نَفْسِك قُوِّيَتَا بالنُّونِ ، قلتَ : قَطْنِي وقَدْنِي ، كما قَوَّوْا عَنِّي ومِنّي ولَدُنِّي بنونٍ أُخْرَى.
وقال ابنُ بَرِّي : عَنِّي ومِنِّي وقَطْنِي ولَدُنِّي على القِيَاسِ ، لأَنَّ نونَ الوِقَايَةِ تَدْخُلُ الأَفْعال لِتَقِيَهَا الجَرَّ ، وتَبْقَى على فَتْحِها ، وكذلِكَ هذِه التي تَقَدَّمَتْ دَخَلتِ النُّونُ عليها لِتَقِيَهَا الجَرَّ فتبقَى على سُكُونِهَا ، وقد يُنْصَبُ بقَطْ ، ومنهم من يَخْفِضُ بقَطْ مَجْزُومَةً ، منهم مَنْ يَبْنِيهَا على الضَّمِّ ويَخْفِضُ بها ما بَعْدها ، ويُقَالُ قَطُكَ ، أَي كفَاكَ ، وقَطِي ، أَي كَفَانِي ، هكذَا هو في النُّسَخ ، والَّذِي في المُغْنِي وشُرُوحِه : النّونُ لازِمَةٌ في الَّتِي بمَعْنَى كَفَانِي ، وعدمُ النُّونِ يَدُلُّ على أَنَّهَا بمَعْنَى حَسْبِي ، كما قاله شَيْخُنا.
وقالَ اللَّيْثُ : ومنهم مَنْ يَقُولُ قَطْ عبدَ الله دِرْهَمٌ ، فينصبون بها ، قال : وقد تَدْخُل النُّونُ فيها ويُنْصَبُ بها ، فتَقُولُ : قَطْنَ عبدَ الله دِرْهَمٌ ، فمن خَفَضَ قال إِذا أَضافَ : «قَطِي وقَدِي دِرْهَمٌ» ، ومن نَصَب قال إِذا أَضاف : «قَطْني
__________________
(١) زيادة عن التهذيب.
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : سلا رويداً ، مثله في اللسان ، ولعله ملًأ رويداً» وفي التهذيب : ملّأ رويداً.
(٣) كذا بالأصل ، ونون الوقاية تدخل جميع الأفعال لتقيها الكسر الذي هو ليس من خصائصها. قال ابن مالك :
وقيل با النفس مع الفعل التزم |
|
نون وقاية وليسي قد نظم |