وقَدْنِي» ، ومِنْهُم من يُدْخِلُ النُّونَ إِذا أَضَافَ إِلى المُتَكَلِّمِ ، خَفَضَ بها أَو نَصَبَ. وقال اللَّيْثُ أَيْضاً : قال أَهلُ الكُوفَةِ : معنى قَطْنِي : كَفَانِي ، فالياء (١) في مَوْضِعِ نَصْبٍ ، مثل ياء كَفَانِي ؛ لأَنَّكَ تَقُولُ : قَطْ عَبْدَ اللهِ دِرْهَمٌ وفي المُوعَبِ لابْنِ التَّيَّانِيّ : ويقولون : قَطْ عبدِ الله دِرْهَمٌ ، يَتْرُكُونَ الطّاءَ مَوْقُوفةً ويَجُرُّونَ بِها. قلتُ : وهذا قد أَشَارَ إِلَيْهِ ابنُ بَرِّيّ أَيْضاً ، كما تَقَدَّم قرِيباً ، وقال أَهلُ البَصْرَةِ وهُوَ الصَّوابُ ونَصُّ العَيْنِ : وقال أَهْلُ البَصْرَةِ (٢) : الصَّوابُ فيهِ الخَفْضُ على مَعْنَى حسْبُ زيدٍ ، كَفْيُ زَيْدٍ دِرْهمٌ ، وهذِه النُّونُ عِمَادٌ ، ومَنَعَهُم أَنْ يَقُولُوا : حَسْبُنِي أَنَّ الباءَ مُتَحَرِّكةٌ والطاءَ من قَطْ ساكِنَةٌ ، فكَرِهُوا تَغْيِيرَها عن الإِسْكّانِ ، وجَعَلُوا النّونَ الثّانِيَةَ من لَدُنِّي عِمَاداً للياءِ.
أَو إِذا أَرَدْتَ بقَطُّ الزَّمَانَ فمُرْتَفِعٌ أَبداً غير مُنَوَّن ، تقول : ما رَأَيْتُ مثلَه قَطُّ ، لأَنَّهُ مثلُ قَبْلُ وبَعْدُ. فإِنْ قَلَّلَت بقَطْ فاجْزِمْها ، ما عِنْدَكَ إِلاَّ هذا قَطْ. فإِن لَقِيَتْه أَلِفُ وَصْلٍ كُسِرَت ، تقول : مَا عَلِمْتُ إِلاّ هذا قَطِ اليَوْمَ. وما فَعَلْت هذا قَطْ مَجْزُومَ الطّاء ولا قَطُّ مُشَدَّداً مضمومَ الطّاءِ ، أَو يُقَال : قَطُّ يا هذا مُثَلَّثَةَ الطّاءِ مُشَدَّدَةً ، ومَضْمُومَةَ الطّاءِ مُخَفَّفَةً ومَرْفُوعَةً ، ونصُّ اللِّحْيَانِيِّ في النَّوَادِرِ : وما زَالَ هذا مُذْ قُطُّ يا فَتَى ، بضَمِّ القافِ والتَّثْقِيل ، وتَخْتص بالنَّفْيِ ماضِياً كما قَدَّمْنَا الإِشَارَةَ إِليه.
وتَقُولُ العَامَّةُ : لا أَفْعَلُه قَطُّ.
وإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ في المُسْتَقْبَلِ عَوْضُ.
وفي مَواضِعَ من صَحِيحِ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ الله البُخارِيِّ جاء بعدَ المُثْبَتِ ، مِنْها في باب صلاةِ الكُسُوفِ : «أَطْوَلُ صلاةٍ صَلَّيْتُها قَطُّ» ، وفي سُنَنِ الإِمَامِ أَبِي دَاوُدَ : «تَوَضَّأَ ثَلاثاً ، قَطْ» وأَثْبَتَه ابنُ مالِكٍ في الشَّوَاهِدِ لغةً ، وحَقَّقَ بَحثَه في التَّوْضِيحِ على مُشْكِلاتِ الصَّحِيح. قال : وهي مِمّا خَفِيَ على كَثيرٍ من النُّحاةِ ، وحاول الكِرْمَانِيُّ جَرْيَها على أَصلِهَا فأَوَّلَ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ مُثْبَتَةً بالنَّفْيِ ، قال شَيْخُنَا : وَجَزَم الحَرَيرِيُّ في الدُّرَّةِ بأَنَّ اسْتِعْمَالَ قَطُّ في المُسْتَقْبَلِ ، أَو المُثْبَتِ نفيٌ.
وحَكَى اللِّحْيَانِيُّ : قد يُقالُ : مَا لَهُ إِلاّ عَشَرَةٌ قَطْ يا فَتَى ، مُخَفَّفاً مَجْزُوماً ، ومُثَقَّلاً مَخْفُوضاً.
وفي الصّحاحِ : يُقَال : قَطَاطِ ، كقَطَامِ ، أَي حَسْبِي ، قال عَمْرُو بنُ مَعْدِيكَرِبَ :
أَطَلْتُ فِراطَهُمْ حَتَّى إِذا ما |
|
قَتَلْتُ سَراتَهُمْ كانَتْ قَطاطِ |
قالَ ابنُ بَرِّيّ والصّاغَانِيُّ صَوابُ إِنْشَادِه : «فِراطَكُمْ وسَرَاتَكُم» بكافِ الخِطابِ ، وقد تَقَدَّمَ في «ف ر ط» (٣).
والقَطُّ : دُعَاهُ القَطاةِ والحَجَلَةِ ، ويُخَفَّفُ ، يُقَال : قَطْقَطَت وقَطَتْ (٤) ، أَي صَوَّتَتْ ، الأَخِيرَةُ نَقَلَهَا الصّاغَانِيّ.
والقِطُّ ، بالكَسْرِ : النَّصِيبُ وهو مَجازٌ ، ومنه قَوْلُه تَعالَى : (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا) قِطَّنا (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) (٥) قال مُجَاهِدٌ وقَتادَةُ والحَسَنُ : أَي نَصِيبَنَا من العَذَاب ، وقال سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ : ذُكِرَتِ الجَنَّةُ فاشْتَهَوْا ما فِيهَا ، فقالُوا ذلِك.
والقِطُّ الصَّكُّ بالجَائِزَةِ ، كما في الصّحاحِ ، وهي الصَّحِيفَةُ للإِنْسَانِ بصِلَةٍ يُوصَلُ بها. وقال الفَرّاءُ : القِطُّ : الصَّحِيفَةُ المَكْتُوبَةُ ، وإِنّمَا قالُوا ذلِكَ حِينَ نَزَلَ (فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) (٦) فاسْتَهْزَءُوا بِذلِكَ وقالُوا : عَجِّلْ لَنَا هذا الكِتَابَ قَبلَ يومِ الحِسَابِ.
والقِطُّ : الكِتَابُ ، كما في الصّحاحِ ، وقِيلَ : هو كِتَابُ المُحَاسَبَةِ ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ لأُمَيَّةَ ابنِ أَبِي الصَّلْتِ :
قَوْمٌ لهم ساحَةُ العِ |
|
راقِ جَمِيعاً والقِطُّ والقَلَمُ (٧) |
ج : قُطُوطٌ ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للأَعْشَى :
ولا المَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتُه |
|
بغِبطَتِه يُعْطِي القُطُوطَ ويَأْفِقُ |
__________________
(١) بالأصل : «فالنون» وبهامش المطبوعة المصرية : «قوله فالنون هكذا في النسخ ومثله في اللسان ، والأولى : فالياء».
(٢) في التهذيب : وقال البصريون.
(٣) انظر ما لا حظناه في مادة فرط.
(٤) ضبطت عن التكملة.
(٥) سورة ص الآية ١٦.
(٦) سورة الحاقة الآية ١٩.
(٧) كذا رواية البيت بالأصل واللسان ، وقد علق عليه مصحح اللسان دار المعارف : والبيت لا يستقيم له وزن على هذه الرواية. وقد جاء في كتاب المذكر والمؤنث لابن الأنباري بهذه الرواية :
قوم لهم ساحة العراق إِذا |
|
ساروا جميعاً والقط والقلم |