فيه ، فهو يَبْغِيهِ الغَوَائلَ على ما أُوتِيَ (١) من حُسْنِ الحالِ ، ويَجْتَهِدُ في إِزالَتِها عنه بَغْياً وظُلْماً. وكذلِكَ قولُه تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٢) وفي الحَدِيثِ : «على مَنَابِرَ من نُورٍ يَغْبِطُهم أَهلُ الجمع» وفي حَدِيثٍ آخر : «يَأْتَي على النّاسِ زَمَانٌ يُغْبَطُ الرَّجُلُ بالوَحْدَةِ كما يُغْبِطُ اليَوْمَ أَبُو العَشرَة» يَعنِي : أَنّ الأئِمّةَ في صَدْرِ الإِسْلام يَرْزُقون عِيَالَ المُسْلِمِين وذَرارِيَّهم من بَيْت المالِ فكانَ أَبو العَشرَةِ مَغْبُوطاً بكَثْرَةِ ما يَصِلُ إِلَيْهِ من أَرْزَاقِهم ، ثمّ يَجِيءُ بَعْدَهُمْ أَئِمَّةٌ يَقْطَعُونَ ذلِكَ عَنْهُم ، فيُغْبَطُ الرَّجُلُ بالوَحْدَةِ ؛ لِخِفَّةِ المَؤُونَة ، ويُرْثَى لصاحِبِ العِيَالِ. فهو غَابِطٌ من قَوْمٍ غُبُطٍ ، ككُتُبٍ ، هكَذا في أُصُول القامُوسِ ، والصّوابُ : كسُكَّرٍ ، كما في اللَّسَانِ ، وأَنْشَدَ :
والنَّاسُ بَيْنَ شامِتٍ وغُبَّطِ
وفي الحَدِيثِ ، أَي حَدِيثِ الدُّعَاءِ : «اللُّهُمَّ غَبْطاً لا هَبْطاً» ، أَي نَسْأَلُكَ الغِبْطَةَ ونَعُوذُ بك أَن نَهْبِطَ عن حالِنَا ، ذَكَرَه أَبو عُبَيْدٍ في أَحادِيثَ لا يُعْرَفُ أَصْحَابُها ، ومنه نَقَلَ الجَوْهَرِيُّ ، وقِيلَ : مَعناه : اللهُمَّ ارْتِفاعاً لا اتِّضاعاً ، وزيادةً من فَضْلِك لا حَوْراً ولا نَقْصاً ، أَو أَنْزِلْنَا مَنْزِلَةً نُغْبَطُ عليها ، وجَنَّبْنا مَنازِلَ الهُبُوطِ والضَّعَةِ. وقِيلَ : مَعْنَاه : نَسأَلُك الغِبْطَةَ ، وهي النِّعْمَةُ والسُّرُورُ ، ونَعُوذُ بكَ من الذُّلِّ والخُضُوعِ.
وأَغْبَطَ الرَّحْلَ على الدّابَّةِ ، كما في التَّهْذِيبِ ، وفي الصّحاحِ : على ظَهْرِ البَعِيرِ : أَدَامَهُ ولم يَحُطَّهُ عنه ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ ، وأَنْشَدَ للرّاجِز :
وانْتَسَفَ الجَالِبَ من أَنْدابِهِ |
|
إِغْبَاطُنا المَيْسَ على أَصْلابِهِ |
قلتُ : الرَّجَزُ لحُمَيْدٍ (٣) الأَرْقَطِ يَصِفُ جَمَلاً شَدِيداً ، ونَسَبَه ابنُ بَرِّيّ لأَبِي النَّجْمِ.
ومن المَجَازِ : أَغْبَطَت السَّمَاءُ ، إِذا دامَ مَطَرُها واتَّصَل.
وقال أَبو خَيْرَةَ : أَغْبَطَ علينا المَطَرُ ، وهو ثُبُوتُه لا يُقْلِعُ ، بعضُهُ على أَثرِ بَعْضٍ.
ومن المَجَازِ : أَيْضاً : أَغْبطَتْ عَلَيْه الحُمَّى ، إِذا دامَتْ ، وقِيلَ : أَي لَزِمَتْه ، وهو من وَضْعِ الغَبِيطِ على الجمَلِ. قال الأَصْمَعِيُّ : إِذا لم تُفَارِق الحُمَّى المَحْمُومَ أَيّاماً قِيل :أَغْبَطَتْ عليه ، وأَرْدَمَت ، وأَغْمَطَت بالمِيمِ أَيْضاً. قال الأَزْهَرِيُّ : والإِغْبَاطُ يكون لَازِماً ووَاقِعاً كما تَرَى.
وقال ابنُ هَرْمَةَ يَصِفُ نَفْسَه :
ثَبْتٌ إِذا كانَ الخَطِيبُ كَأَنَّهُ |
|
شَاكٍ يَخافُ بُكُورَ وِرْدٍ مُغْبِطِ |
ويُرْوَى : «مُغْمِط» بالمِيمِ.
وفي الأَسَاسِ : أَغْبَطَت عليه الحُمَّى : كَأَنَّهَا ضَرَبَتْ عليهِ الغَبِيطَ لِتَرْكَبَه كما تقولُ : رَكِبَتْه الحُمَّى ، وامْتَطَتْه ، وارْتَحَلَتْه.
ومن المَجَاز : أَغْبَطَ النَّبَاتُ ، إِذا غَطَّى الأَرْضَ وكَثُفَ وتَدَانَى حتى كَأَنَّه من حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ. وأَرْضٌ مُغْبَطَةٌ ، إِذا كانَتْ كذلِك ، وهو بالفَتْحِ ، أَي عَلَى صِيغَة المَفْعُولِ لا فَتْح أَوَّلِه ، كما يَتَبَادَرُ إِلى الذِّهْنِ ، رواه أَبو حَنِيفَةَ.
وفي الحَدِيثِ ، أَي حديثِ الصَّلاةِ «أَنَهُ صلىاللهعليهوسلم جاءَ وهُمْ يُصَلُّون في جماعَةٍ فجَعَلَ يُغَبِّطُهم».
قال ابنُ الأَثِيرِ : هكَذا رُوِيَ مُشَدَّداً ، أَي يَحْمِلُهم على الغَبْطِ ، ويَجْعَلُ هذا الفِعْلَ عِنْدَهُم مِمَّا يُغْبَطُ عليه. قال : وإِنْ رُوِيَ بالتَّخْفِيفِ فيَكُونُ قد غَبَطَهُم لِسَبْقِهِم وتَقَدُّمِهِم إِلى الصَّلاةِ ، كذا في النِّهَايَةِ.
والغَبْطُ ، بالفَتْح ويُكْسَرُ : القَبَضَاتُ المَحْصُودَةُ المصْرُومَةُ من الزَّرْعِ ، ج غُبُوطٌ ، ويُقَال : غُبُطٌ ، بضَمَّتَيْنِ.
وقال الطّائفِيُّ : الغَبُوطُ : هي القَبضَاتُ الَّتَي إِذا حُصِدَ البُرُّ وُضِعَ قَبْضَةً ، قَبْضَةً الوَاحِدُ غَبْطٌ ، وقال أَبُو حَنِيفَةَ : الغُبُوطُ :القَبَضاتُ المَحْصُودَةُ المُتَفَرِّقَةُ من الزَّرْع ، وَاحدُهَا غَبْطٌ على الغالِب.
والغَبِيطُ كأَمِيرٍ : الرَّحْلُ ، وهو للَّنسَاءِ يُشَدُّ عَليه الهَوْدَجُ ، كما في الصّحاحِ ، قال امْرُؤُ القَيْسِ :
تَقُولُ وقد مَالَ الغَبِيطُ بِنَا معاً |
|
عَقَرْتَ بَعِيرِي يا امْرَأَ القَيْسِ فانْزِلِ |
وقيل : هو المَرْكَبُ الَّذِي هو مِثْلُ أُكُفِ البَخَاتِيِّ ، قالَ
__________________
(١) في التهذيب : أوتي من النعمة والغبطة.
(٢) سورة النساء الآية ٥٤.
(٣) في التهذيب : حميد بن الأرقط.