طِرْقٌ أَمْ لا ، كذا في الصّحاحِ ، وأَنْشَدَ للشّاعِر :
إِنّي وأَتْيِي ابْنَ غَلاّقٍ لِيَقْرِيَنِي |
|
كغَابِطِ الكَلْبِ يَبْغِي الطِّرْقَ في الذَّنَبِ |
وقال اللَّيْثُ : غَبَطَ ظَهْرَهُ : جَسَّ بيَدِه لِيَعْرِفَ هُزَالَه من سِمَنِهِ. قلتُ : وكذلِكَ النّاقَة. والشِّعْر الَّذِي أَنْشَدَه الجَوْهَرِيُّ للأَخْطَلِ ، كما في العُبَابِ ، وقيل : لرَجُلٍ من بَنِي عَمْرِو بنِ عامرٍ يَهْجُو قَوْماً من سُلَيْمٍ ، وأَوَّلُه :
إِذا تَحَلَّيْتَ غَلاَّقاً لِتَعْرِفَها |
|
لاحَتْ من اللُّؤْمِ في أَعْنَاقِهَا الكُتبِ (١) |
ونَاقَةٌ غَبُوطٌ ، كصَبُورٍ : لا يُعْرَفُ طِرْقُهَا حتى تُغْبَطَ ، أَي تُجَسَّ باليَدِ.
وقال ابنُ عَبّادٍ : الغبْطَةُ ، بالضّمّ : سَيْرٌ في المَزَادَةِ مِثْلُ الشَّرَاكِ يُجْعَلُ على أَطْرَافِ الأَدِيمَيْنِ ، ثمّ يُخْرَزُ شَدِيداً ، كما في العُبَابِ والتَّكْمِلَةِ.
والغِبْطَةُ ، بالكَسْرِ : حُسْنُ الحَالِ ، كما في الصّحاحِ ، والمَسَرَّةُ والنِّعْمَةُ ، كما في اللِّسَانِ ، وقد اغْتَبَطَ ، كذا في أصُولِ القَامُوسِ ، وفي اللِّسانِ : وقد أَغْبَطَ إِغْبَاطاً.
والغِبْطَةُ : الحَسَدُ ، كالغَبْطِ ، بالفَتْحِ ، في المَعْنَيَيْن ، وقد غَبطَهُ ، كضَرَبَه وسَمِعَهُ ، غَبْطاً وغِبْطةً ، إِذا حَسَدَه ، الثّانِيَةُ عن ابْنِ بُزُرْج ، لغةٌ في الأُولَى ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ. وكونُ الغَبْطِ بمَعْنَى الحَسَدِ ، نَقَلَه ابنُ الأَعْرَابِيِّ ، وبه فُسِّرَ الحَدِيثُ : «أَيَضُرُّ الغَبْطُ؟ قال : نَعَمْ كما يَضُرُّ الخَبْطُ» وقال غيرُه : العَرَبُ تَكْنِي عن الحَسَدِ بالغَبْطِ ، واخْتَلَفَ كَلامُ الأَزْهَرِيِّ في التَّهْذِيبِ ، فذَكَرَه في تَرْجَمَةِ «حسد» قال : الغَبْطُ : ضَرْبٌ من الحَسَدِ ، وهو أَخَفُّ منه ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صلىاللهعليهوسلم لمّا سُئلَ : «هَلْ يضُرُّ الغَبْطُ؟ قال : نَعَمْ كما يَضُرّ الخَبْط» فأَخْبَر أَنَّه ضارٌّ ، وليس كضَرَرِ الحَسَدِ الَّذِي يَتمَنَّى صاحِبُه زَيَّ (٢) النِّعْمَةِ عن أَخِيهِ. والخَبْطُ : ضَرْبُ [وَرَق] (٣) الشَّجَرِ حتَّى يَتَحاتَّ [عنه] ، ثمّ يَسْتَخْلِف من غَيْرِ أَنْ يَضُرَّ ذلِكَ بأَصْلِ الشَّجَرةِ وأَغْصَانِهَا ، وذَكَر أَيْضاً في هذِه التَّرْجَمَةِ عن أَبِي عُبَيْدٍ فقال : سُئلَ النَّبِيُّ صلىاللهعليهوسلم «هلْ يَضُرُّ الغَبْطُ؟ فقال : لا إِلاّ كما يَضُرُّ العِضَاهَ الخَبْطُ» وفَسَّر الغَبْطَ : الحَسَدَ الخاصَّ وقالَ أَيْضاً ـ في ترجمة «حسد» ـ إِنَّ الحَسَدَ تَمَنِّي نِعمَةٍ على أَنْ تَتَحَوَّلَ عنه ، والغِبْطَةَ تمنِّي نِعْمَةٍ على أَنْ لا تَتَحَوَّلَ عن صاحِبِها ، أَي يَتَمَنَّى مثلَ حالِ المَغْبُوطِ من غَيْرِ أَنْ يُرِيدَ زَوَالَها ، ولا أَنْ تَتحوَّل عنه ، وليسَ بحَسَدٍ (٤) ورُوِي عن ابْنِ السِّكِّيتَ في «غبط» قال : غَبَطْتُ الرَّجُلَ أَغْبَطُه غَبْطاً ، إِذا اشْتَهَيْتَ أَن يَكُونَ لك مثلُ مَا لَه ، وأَنْ لا يزولَ عنه ما هُوَ فيه. والَّذِي أَرادَ النَّبِيُّ صلىاللهعليهوسلم أَنَّ الغَبْطَ لا يَضُرُّ ضَرَرَ الحَسَدِ ، وأَنَّ ما يَلْحَقُ الغَابِطَ من الضَّرَرِ الرّاجِعِ إِلى نُقصانِ الثَّوابِ دُونَ الإِحْبَاطِ بقَدْرِ ما يَلْحَقُ العِضَاهَ من خَبْطِ وَرَقِها الَّذِي هُو دُونَ الإِحْبَاطِ بقَدْرِ ما يَلْحَقُ العِضَاهَ من خَبْطِ وَرَقِها الَّذِي هُو دُونَ قَطْعِها واسْتِئْصالِهَا ، ولأَنَّه يَعُودُ بعدَ الخَبْطِ وَرَقُهَا ، فهو وإِن كانَ فيه طَرَفٌ من الحَسَدِ فهو دُونَه في الإِثْمِ. وأَصْلُ الحَسَدِ : القَشْرُ ، وأَصلُ الغَبْطِ : الجَسُّ ، والشَّجَرُ إِذا قُشِرَ عنها لِحاها يَبِسَتْ ، وإِذا خُبِطَ وَرَقُهَا اسْتَخْلَفَ دُونَ يَبْسِ الأَصْلِ.
وقال أَبو عَدْنَانَ : سأَلْتُ أَبا زَيْدٍ الحَنْظَلِيَّ عن تَفْسِيرِ هذا الحَدِيثِ ، فقال : الغَبْطُ : أَن يُغْبَطَ الإِنْسَانُ ، وضَرَره إِياه أَن يُصيبَهُ نَفْسٌ فيَتَغَيَّرَ حالُه كما تَغَيَّرُ العِضاهُ إِذا تَحاتَّ وَرَقُهَا.
وقال الأَزْهَرِيُّ : الغَبْطُ رُبَّمَا جَلَبَ إِصابَةَ عَيْنٍ بالمَغْبُوطِ ، فقام مَقَامَ النَّجْأَةِ المَحْذُورَةِ ، وهي الإِصَابَةُ بالعَيْنِ. قال : وقد فرَّقَ الله بين الغَبْطِ والحَسَدِ بما أَنْزَلَه في كِتَابِه لِمَنْ تَدَبَّرَه واعْتَبَرَهُ ، فقال عَزّ مِنْ قائل : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) (٥). وفي هذِه الآيَة بَيانُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ للرَّجُلِ أَنْ يَتَمَنَّى إِذا رَأَى على أَخِيه المُسْلِمِ نعْمَةً أَنْعَمَ الله بها عليهِ أَن تُزْوَى عنه ويُؤْتَاهَا ، وجائزٌ لَهُ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَها بلا تَمَنٍّ لِزَيِّهَا عنه ، فالغَبْطُ : أَنْ يَرَى المَغْبُوطَ في حَالٍ حَسَنَةٍ فيتَمَنَى لِنَفْسِه مثلَ تِلْكَ الحال الحَسَنَةِ من غَيْرِ أَن يَتَمَنَّى زَوَالَها عنه ، وإِذا سَأَل الله مِثْلَهَا فقد انْتَهَى إِلى ما أَمَرَهُ بهِ ورَضِيَهُ له. وأَمّا الحَسَدُ : فهو أَنْ يَشْتَهِي أَنْ يَكُونَ لَهُ ما لِلْمَحْسُودِ (٦) ، وأَنْ يَزُولَ عنه ما هُو
__________________
(١) بالأصل «في أعناقه الكتب» والمثبت عن التاج مادة غلق.
(٢) كذا بالأصل والتهذيب واللسان ، وفي اللسان في مادة حسد : زوال.
(٣) زيادة عن التهذيب «حسد» ٤ / ٢٨١.
(٤) نص عبارة التهذيب : والحسد أن يرى الإنسان لأخيه نعمة فيتمنى أن تزوى عنه وتكون له ، قال : والغبط : أن يتمنى أن يكون له مثلها من غير أن تزوى عنه. وهو قول أحمد بن يحيى.
(٥) سورة النساء الآية ٣٢.
(٦) في اللسان : مالُ المحسودِ.