وهو اسْمٌ مَنْصُوبٌ مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ المَصْدَر كَأَنَّه قال : جاءُوا انْقِضَاضاً. قال سِيبَويْه : كَأَنَّهُ يَقُولُ انْقَضَّ آخِرُهُمْ على أَوَّلِهِمْ ، وهُوَ من المَصادِر المَوْضُوعَةِ مَوْضِعَ الأَحْوَال. ومِنَ العَرَبِ مَنْ يُعْرِبُهُ ويُجْرِيهِ عَلَى مَا قبْلَهُ. وفي الصّحاح : ويُجْرِيه مُجْرَى كُلِّهِمْ. وجَاءَ القَوْمُ بِقَضِّهِمْ وقَضِيضِهِم ، عن ثَعْلَبٍ وأَبِي عُبَيْدٍ وحَكَى أَبو عُبَيْد في الحَدِيث : «يُؤْتَى بِقَضِّهَا وقِضِّها وقَضِيضِهَا».
وحَكَى كُرَاع : أَتَوْنِي قُضُّهُمْ بقَضِيضِهِم ، أَي بالرَّفْعِ ، ورأَيْتُ قَضَّهُم بقَضِيضِهِم ، ومَرَرْتُ بهِمْ قَضِّهِم بِقَضِيضِهِم ، وقال الأَصْمَعِيّ في قَوْلِه :
جَاءَتْ فَزَارةُ قَضُّها بِقَضِيضِهَا
لَمْ أَسْمعْهُم يُنْشِدُون «قَضُّها» إِلا بالرَّفْع.
وقال ابنُ بَرِّيّ : شاهِدُ قَوْله جاءُوا قَضُّهُمْ بِقَضِيضِهِم ، أَي بأَجْمعِهم ، قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ.
وجَاءَتْ جِحَاشٌ قَضُّهَا بِقَضِيضِهَا |
|
بأَكْثرِ ما كَانُوا عَدِيداً وأَوْكَعُوا |
أَوْكَعُوا ، أَيْ سَمَّنُوا إِبِلَهُمْ وقَوَّوْها لِيُغِيرُوا عَلَيْنَا. أَو القَضُّ هُنَا الحَصَى الصِّغَارُ ، والقَضِيضُ : الحَصى الكِبَارُ وهو قَوْلُ ابْنِ الأَعْرابِيّ ، وهكذا وُجِد في النُّسَخِ ، وهو غَلَطٌ.
والصَّوَابُ في قَوْلِه كَما نَقَلَهُ صاحِبُ اللّسَان وابنُ الأَثِير والصَّاغَانِيّ. القَضُّ : الحَصي الكِبَارُ ، والقَضِيضُ : الحَصَى الصِّغَار. ويدُلُّ لِذلِكَ تَفْسِيرُهُ فِيمَا بَعْدُ أَي جَاءُوا بالكَبِيرِ والصَّغِيرِ. قال ابنُ الأَثِيرِ : وهذا أَلْخَصُ ما قِيلَ فِيه.
أَو القَضُّ بمَعْنَى الْقَاضِّ ، كزَوْرٍ وصَوْمٍ ، في زائِرٍ وصائِمٍ. والقَضِيضُ بمَعْنَى المَقْضُوضِ ، لِأَنَّ الأَوَّلَ لِتَقَدُّمِهِ وحَمْلِهِ الآخِرَ عَلَى اللَّحَاقِ به ، كَأَنَّهُ يَقُضُّهُ علَى نَفْسِهِ ، فحَقِيقَتُهُ جاءُوا بِمُسْتَلْحَقِهِمْ ولَاحِقِهِمْ ، أَيْ بأَوَّلِهِمْ وآخِرُهم ، نَقَلَهُ ابنُ الأَثِيرِ أَيْضاً ، وجَعَلَهُ مُلَخَّص القَوْلِ فِيه.
والقِضَاضُ ، بالكَسْرِ : صَخْرُ يَرْكبُ بَعْضُهُ بَعْضاً ، كالرِّضَام ، الوَاحِدَةُ قَضَّةٌ ، بالفَتْح.
والقَضْقَاضُ : أُشْنَانُ الشّامِ. وقَال ابنُ عَبّادٍ : هُوَ الأَخْضَرُ منه السَّبْطُ ، ويُرْوَى بِالصَّادِ المُهْمَلَةِ أَيْضاً ، أَو شَجَرٌ مِن الحَمْضِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ : هو دَقِيقٌ ضَعِيفٌ أَصْفَرُ اللَّوْنِ. وقد تَقَدَّمَ في الصَّادِ أَيْضاً.
والقَضْقَاضُ : الأَسَدُ يُقَالُ : أَسَدٌ قَضْقَاضٌ : يُقَضْقِضُ فَرِيستَهُ ، كما في الصّحاح ، وأَنْشَدَ قَوْلَ الرّاجِزِ ، هُو رُؤْبةُ :
كَمْ جاوَزَتْ من حَيَّةٍ نَضْناضِ |
|
وأَسَدٍ في غِيلِهِ قَضْقاضِ |
ويُضَمُّ. قال ابنُ دُرَيْدٍ : ولَيْس فُعْلَالٌ سِواهُ ، ونَصُّ الجَمْهَرَةِ : لَمْ يَجِىءْ في المُضَاعَفِ فُعْلالٌ بضَمِّ الفَاءِ إِلاّ قُضْقَاض ، قالَ : ورُبَّمَا وُصِفَ به الأَسَدُ والحيَّةُ ، أَو الشَّيْءُ الَّذِي يُسْتَخْبَثُ. وبِهذَا سقَطَ قَوْلُ شَيْخِنَا : هذَا قُصُورٌ ظاهِرٌ من المُصَنِّف ، بلْ وَرَد منه قُلْقَاسٌ وقُسْطَاسٌ وخُزْعالٌ المُجْمَع عليه ، وكَلامُهم كالصَّرِيحِ بَلْ صَرِيحٌ أَنه لا فُعْلالَ غَيْر خُزْعالٍ ، وقد ذُكِرَ غَيْرُ هذِه في «المُزْهَر» (١) ، وزِدْتُ علَيْهِ في «المُسْفِر» انتهى ، ووَجْهُ السُّقُوطِ هُوَ أَنَّ المُرَادَ من قَوْلِهِ ولَيْسَ فُلاَّلٌ سِواهُ ، أَي في المُضاعَفِ كما هُوَ نَصُّ ابْنِ دُرَيْدٍ وما أَوْرَدَه من الكَلِمَات مع مُنَاقَشَةٍ في بعْضِهَا فإِنَّها غَيْرُ وَارِدَةٍ عَلَيْه ، فتَأَمَّلْ ، كالقُضَاقِضِ ، بالضَّمِّ نَقَلَهُ الجَوْهَريُّ أَيْضاً. يُقَالُ : أَسَدٌ قُضَاقِضٌ : يُحَطِّمُ كُلَّ شَيْءٍ ، ويُقَضْقِضُ فَرِيستَهُ ، قال الرّاجِزُ :
قُضَاقِضٌ عِنْدَ السُّرَى مُصَدَّرُ (٢)
وقَوْلُ ابنِ دُرَيْدٍ السَّابِقُ : ورُبَّما وُصِفَ به الأَسَدُ والحَيَّةُ إِلخ ، قُلْتُ : قد تَقَدَّمَ في الصادِ المُهْملَةِ عَنِ الجوْهَرِيّ : حَيَّةٌ قَصْقَاصٌ (٣) ، نَعْتٌ لَها في خُبْثِهَا ، ومِثْلُه في كِتَابِ العَيْنِ ، ولَعلَّهُمَا لُغَتَان. وقد قَدَّمْنَا هُنَاكَ عن كِتَابِ العَيْنِ نَقْلاً في حُدُودِ أَبْنِيَةِ المُضَاعَفِ يَنْبَغِي أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْه وتَتَأْمَّلَ فِيهِ مَعَ كَلامِ ابْنِ دُرَيْدٍ هُنَا.
والقَضْقَاضُ : ما اسْتَوَى مِنَ الْأَرْضِ ، وبه فُسِّرَ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ :
__________________
(١) نص عبارة المزهر ٢ / ٦٥ وقال الفارابي في ديوان الأدب : لم يأت على فعلال شيء من أسماء العرب من الرباعي السالم إلا مكرر الحشو ، وذلك الفُسطاط والقُرطاط ، فأما الفسطاط فحرف رومي وقع إلى العرب فتكلمت به.
(٢) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «يصدر».
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله حية قصقاص ، هكذا نقله الشارح في مادة ق ص ص عن الصحاح والعين والذي رأيته في نسخة الصحاح المطبوع قصاقص وهو الموافق لما في القاموس في المادة المذكورة فتأمل اه».