والسِّينُ لُغَة فيه. ومِنْهُم مَن خَصَّ في القَصّ تَتَبُّع الأَثَرِ باللَّيْلِ ، والصَّحيحُ في أَيِّ وَقْتٍ كان. وقال أُمَيَّةُ بنُ أَبي الصَّلْتِ :
قالَتْ لأُخْتٍ له قُصِّيهِ عن جُنُبٍ |
|
وكَيْفَ تَقْفُو بلا سَهْلٍ ولا جَدَدِ |
وقَصَّ عليه الخَبَرَ قَصَصاً : أَعْلَمَه به ، وأَخْبَرَه ، ومنه : قَصَّ الرُّؤْيَا. يقال : قَصَصْتُ الرُؤْيَا أَقُصُّها قَصًّا.
وقَوْلُه تَعَالَى : فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً ، (١) أَي رَجَعَا من الطَّريق الَّذي سَلَكَاه يَقُصَّانِ الأَثَرَ ، أَي يَتَتَبَّعانِه ، وقولُه تَعَالَى : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (٢) أَيْ نُبَيِّنُ لَكَ أَحْسَنَ البَيَانِ. وقال بَعْضُهُم : القَصُّ : البَيَانُ ، والقَصَصُ الاسْم ، زَادَ الجَوْهَرِيُّ : وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدَرِ حَتَّى صَارَ أَغْلَبَ عليه.
والقَاصُّ : مَنْ يَأْتِي بالقِصَّة على وَجْهِهَا ، كأَنَّهُ يَتَتَبَّعُ مَعَانِيَهَا وأَلْفاظَها ، ومِنْهُ الحَدِيث الموضُوع : «القَاصُّ ينْتَظِرُ المَقْتَ ، والمُسْتَمعُ إِليه ينْتَظِرُ الرَّحْمةَ» وكأَنَّهُ لِمَا يعْتَرضُ (٣) في قَصَصِه من الزِّيادة والنُّقْصان. وفي حدِيثٍ آخَرَ : «إِنّ بنِي اسْرائيل لمَّا قَصُّوا هَلَكُوا» وفي رِوَايَةٍ : لما هَلَكُوا قَصُّوا ، أَي اتَّكَلُوا على القَوْلِ وتَرَكُوا العَمَلَ ، فكانَ ذلك سَبَبَ هَلَاكِهم ، أَو العَكْس ، لمَّا هَلَكُوا بتَرْك العَمَلِ أَخْلَدُوا إِلَى القَصَصِ. وقِيلَ : القَاصُّ. يَقُصُّ القَصَصَ لإِتْباعه خَبَراً بعد خَبَرٍ ، وسَوْقِه الكَلامَ سَوْقاً.
والقَصَّةُ : الجَصَّة ، لُغَةٌ حجَازِيَّة ، وقيل : الحجَارَةُ من الجَصِّ ، ويُكْسَر ، عن ابنِ دُرَيْد. قال أَبو سَعِيدٍ السِّيرافِيُّ : قال أَبُو بَكْرٍ : بِكَسْرِ القَافِ ، وغَيْرُه يقولُ بفَتْحِها.
وفي الحَدِيثِ عن عائشَةَ ، رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهَا ، أَنَّها قالَت لِلنّساءِ : «لا تَغْتَسِلْنَ من المَحيضِ حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّة البَيْضَاءَ». أَي حَتَّى تَرَيْنَ القُطْنَة أَو الخِرْقَةَ الّتِي تحْتَشِي بها بَيْضَاءَ كالقَصَّة ، أَي كأَنّهَا قَصَّةٌ لا يُخَالِطُهَا صُفْرةٌ ولا تَرِيَّة (٤) كما ذَكَرَه الجَوْهَرِيُّ ، وزاد الصّاغَانِيّ : وقيل : هي شَىْءٌ كالخَيْطِ الأَبْيَضِ يَخْرُجُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ ، ووَجْهٌ ثالِثٌ ، وهو أَنْ يُرِيدَ انْتِفَاءَ اللَّوْنِ ، وأَن لا يَبْقَى منه أَثَرٌ البَتَّةَ ، فضَرَبَتْ رُؤْيَةَ القَصَّةِ لِذلِكَ مَثَلاً ، لأَنَّ رائِيَ القَصَّةِ البَيْضَاءِ غَيْرُ راءٍ شَيْئاً من سائرِ الأَلْوَانِ. وقال ابنُ سِيدَه : والَّذِي عِنْدِي أَنَّه إِنَّما أَرادَ ماءً أَبْيَضَ مِنْ مَصَالَةِ الحَيْضِ في آخِرهِ ، شَبَّهَهُ بالجَصّ ، وأَنَّثَ لِأَنَّه ذَهَبَ إِلى الطائِفَة ، كما حَكاهُ سِيبَوَيْه من قَوْلِهِم : لَبَنَةٌ وعَسَلَةٌ. ج قِصَاصٌ ، بالكَسْر.
وذُو القَصَّة ، بالفَتْح : ع بَيْنَ زُبَالَةَ والشُّقُوقِ ، وأَيضاً : مَاءٌ في أَجَأَ لِبَنِي طَرِيفٍ منْ بَنِي طَيِّىء ، هكَذا ذَكَره الصّاغَانِيّ. والصَّوَابُ أَنَّ الماءَ هو القَصَّةُ. وأَمَّا ذُو القَصَّةِ فإِنَّه اسْمُ الجَبَلِ الَّذِي فيه هذا المَاءُ (٥). وهو قَرِيبٌ من سَلْمَى عند سَقْفٍ وغَضْوَر (٦).
وقَصَّ الشَّعرَ والظُّفرَ يَقُصُّهُما قَصّاً : قَطَعَ منهما بالمقَصّ ، بالكَسْر ، أَي المقْراضِ ، وهو ما قَصَصْتَ به ، ومنه قَصّ الشّارِب ، وهُمَا مِقَصّانِ ، والجَمْعُ مَقَاصُّ. وقِيلَ : المقَصَّانِ : ما يُقَصُّ بِه الشَّعرُ ولا يُفْرَدُ. هذا قَوْلُ أَهْل اللُّغَة. قال ابنُ سيدَه : وقد حَكَاهُ سِيبَوَيْه مُفْرَداً في باب «ما يُعْتَمَلُ به». قال شَيْخُنَا : وجَعَلَه بَعْضُهُم من لَحْنِ العَامَّة ، وأَغْرَبُ من ذلِكَ ما نَقَلَه أَيضاً عن «العِقْد الفَرِيد وبُغْيَةِ المَلك الصِنْدِيد» للعَلاَّمَة صَالِح بن الصِّدِّيق الخَزْرَجِيّ أَنَّه سُمِّيَ المِقَصّ لِاسْتِوَاءِ جانِبَيْه ، واعْتِدالِ طَرَفَيْه. فتَأَمَّلْ.
وقُصَاصُ الشَّعرِ مُثَلَّثة (٧) حَيْثُ تَنْتَهِي نِبْتَتُهُ من مُقَدَّمه أَو مُؤَخَّرِه ، والضَّمُّ أَعْلَى ، وقيل : نِهَايَةُ مَنْبِتهِ ، ومُنْقَطَعُهُ على الرَّأْسِ في وَسَطه وقيل : قُصاص الشّعرِ : حَدُّ القَفَا. وقيل : هو ما اسْتَدارَ به كُلِّهِ مِنْ خَلْفٍ وأَمام ، وما حَوَالَيْه. ويُقَالُ :
__________________
(١) سورة الكهف الآية ٦٤.
(٢) سورة يوسف الآية ٣.
(٣) في النهاية : يعرض.
(٤) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : ترية بفتح التاء وكسر الراء وتشديد الياء. قال في اللسان : وأما الترية فهو الخفى ، وهو أقل من الصفرة ، وقيل : هو الشيء الخفي اليسير من الصفرة والكدرة تراها المرأة بعد الاغتسال من الحيض. فأما ما كان من أيام الحيض فهو حيض وليس بترية ، ووزنها تفعلة.
(٥) في معجم البلدان «قصة» : وذو القصة : ماء لبني طريف في أجأ ... وقيل ذو القصة : جبل في سلمى ...
(٦) عن معجم البلدان «قصة» وبالأصل «شقف وعضور».
(٧) لفظة مثلثة وردت على هامش القاموس على أنها متن نسخة أخرى منه.