كلُّهم ضَبطُوا بالرَّاءِ ، وتَبِعَهم من المَغَارِبَة الحُفَّاظِ أَبو عليّ الصّدفِيّ ، وأَبو بَكْر بن العَرَبِيّ ، وأَبو عامر العَبْدَرِيّ ، والقاسِم التُّجِيبيّ ، في آخرين ، وإِليه ذَهَب الصَّلاحُ الصَّفَدِيّ في الوَافِي بالوَفَيات ، وهو تَصْحِيف ، وَبَعْضُهم ، أَي من البَغَادِدَة ، والمُرَادُ به الحَافِظُ ابنُ نَاصِر ، قد صَنّفَ فِيهِ رِسَالَةً مستقلَّةً ، وجَمعَ كلامَ الناسِ ، ورجَّحَ أَنَّه بالرَّاءِ ، وقد ضَرَبَ في حَدِيدٍ بَارِدٍ لأَن جميع ما احتَجَّ به فيها راجِعٌ إِلى الكِتَابةِ لا إِلى الضَّبْط من قبل الحُرُوفِ ، بل هو من قبلِ الناظِرِين في تلك الكِتَابَات ، ولَيْسَ في مَجموعه ما يُفيد العِلْمَ بأَنَّ آخِرَه رَاءٌ ، بل الاحْتِمَال يَطْرق هذِه المَواضِعَ التي احتَجَّ بها ، إِذ الكاتِبُ قد يَذْهَلُ عن نَقْط الزَّاي فتَصِيرُ رَاءً ، ثمّ ما المَانعُ أَن يكون فَوْقَها نُقْطَة فجَعَلَهَا بعضُ من لا يُمَيِّز علامَةَ الإِهْمَال ، ولنَذْكُر فيه أَقْوَالَ العُلَمَاءِ ليَظْهَر لك تَصْوِيبُ ما ذَهَب إِليه المُصَنِّف ، قال الحَافِظُ الذَّهَبِيّ في المِيزَان فِي تَرْجَمَتِه (١) : قال ابنُ ناصر وغيرُه : من قَاله بزَاءَيْن مُعْجَمَتَيْن فقَد صَحّف ، ثمّ احتَجّ ابنُ ناصِر لقَوْله بأُمور يَطول شَرحُها تُفِيد العِلْم بأَنّه بِرَاءٍ ، وكذا ابنُ نُقْطَة وابنُ النّجّار ، وقد تَمَّ الوَهمُ فيه على الدارَقطنيّ وعبدِ الغَنِيّ ، والخَطِيب ، وابنِ مَاكُولَا فقالوا : عزيز ، بزاي مكرَّرة ، وقد بَسطْنا القولَ في ذلك في تَرجَمَتِه في تاريخ الإِسلام ، قال الحافِظُ ابنُ حَجَر في التَّبْصِير : هذا المكانُ هو مَحَلُّ البَسْطِ فيه ، لأَنّه مَوضِعُ الكَشْفِ عنه ، وقد اشتَهَر على الأَلسِنَةِ كِتَابُ غَرِيبِ القرآن للعُزَيْزِيّ ، بزاءَين معجمتين.
وقَضِيّة كَلام ابنِ نَاصِر ومَنْ تَبِعَه أَن تَكُونَ الثَانِيَةُ رَاءً مهملَة ، والحُكْم على الدار قطنيّ فيه بالوَهَم مع أَنّه لَقِيَه وجَالَسه وسَمِع مَعَه ومنه ، ثمّ تَبِعَه النُّقَّادُ الذِين انتَقَدُوا عليه ، كالخَطِيب ، ثم ابن مَاكُولَا وغَيْرهمَا ، في غَايَة البُعْدِ (٢) عِنْدِي.
والذي احتَجَّ به ابنُ ناصِرِ هُو أَنّ الإِثباتَ من اللّغَويِّين ضَبَطُوه بالرّاءِ. قال ابنُ نَاصِر : رأَيْت كِتَابَ المَلَاحن (٣) لأَبِي بكر بنِ دُرَيْد ، وقد كَتَبَ عَلَيْه لمحمّد بن عُزَيْز السِّجِسْتَانِيّ ، وقَيْده بالرَّاءِ ، قال : ورأَيت بخَطّ إِبراهِيمَ بنِ مُحَمَّد الطَّبَرِيّ تُوزونَ ، وكان ضابِطاً ، نُسخةً من غَرِيبِ القرآن ، كَتَبَها عن المُصنّف ، وقيّد التَّرْجمة : تأْلِيف محمّد بن عُزَيْر ـ بالرّاءِ غير معجمة ـ قال : ورأَيتُ بخَطّ محمّدِ بنِ نَجْدة الطَّبَرِيّ اللّغوي نُسْخَة من الكِتَابِ كذلِك. قال ابنُ نُقْطَة : ورأَيْتُ نُسْخَةً من الكِتَاب بخَطّ أَبِي عامر العَبْدَرِيّ ، وكان من الأَئمة في اللُّغَة والحَدِيث قال فيها. قال عبد المحسن السِّنجيّ : رأَيتُ نُسْخَةً من هذا الكتاب بخَطّ محمّد بن نَجْدة ، وهو مُحَمَّد ابن الحُسين الطّبَريّ ، وكان غاية في الإِتْقَان ، تَرجمتُها : كتاب غريب القرآن لمحمّد بن عُزَير ، الأَخِيرَة راءٌ غَيْرُ مُعْجَمَة. قال أَبو عامر : قال لي عبد المُحسن : ورأَيتُ أَنا نُسْخَةً من كتاب الأَلْفاظ رواية أَحمد بن عُبيد بن ناصِح ، لمحمّد بن عُزَيْر السِّجِسْتَانِي ، آخره راءٌ ، مكتوب بخطّ ابن عُزَيْرٍ نَفسهِ الذي لا يَشُكّ فيه أَحدٌ من أَهل المَعْرِفة.
هذا آخر ما احتَجَّ به ابنُ نَاصِر وابنُ نُقطة. وقد تقدَّم ما فيه. ثمّ قال الحافظ : فكيف يَقْطع على وَهم الدارقطنيّ الذي لَقِيَه وأَخذَ عنه ولم يَنْفَرِد بذلك حتى تابَعَه جَمَاعةٌ.
هذا عندي لا يَتّجِه ، بل الأَمر فيه على الاحتمال ، وقد اشتهر في الشّرق والغَرْب بزَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ إِلاّ عندَ مَن سَمَّيْنَاه ، ووجد بخَطّ أَبي طَاهِر السِّلفِيّ أَنّه بزَاءَيْن. وقيل فيه : براءٍ آخره ، والأَصح بزَاءَين. قال : والقَلْبُ إِلى ما اتَّفَقَ عليه الدارقطنيّ [وأَتْبَاعه] أَميّلُ ، إِلاّ أَن يَثبت عن بَعْضِ أَهل الضّبط أَنّه قَيَّدَه بالحُرُوف لا بالقَلَم. قال : ومِمَّن ضَبَطَه من المَغَارِبة بزَاءَيْن مُعْجَمَتَيْن أَبو العَبَّاس أَحمد بنُ عبد الجَلِيل بن سُلَيْمَان الغَسَّانيّ التُّدْمِيرِيّ ، كما نَقَلَه ابنُ عبد الملك في التَّكْمِلَة ، وتعقّب ذلِك عليه بكَلَام ابنِ نُقْطَة ، ثمّ رجعَ في آخرِ الكلام أَنه على الاحْتِمَال. قلت : ونسبَه الصَّفدِيّ إِلى الدّار قُطْنيّ ، قال : وهو مُعاصِرُه وأَخَذَا جَمِيعاً عن أَبي بَكْر بنِ الأَنْبَارِيّ ، أَي فهو أَعرَفُ باسْمه ونَسَبِه من غيره.
وعُزَيْز أَيضاً ، أَي كزُبَيْر كُحْلٌ م مَعْرُوف من الأَكْحَالِ ، نقله الصَّاغَانِيّ.
وحَفْر عزَّى ، (٤) ظاهره أَنه بفَتْح العَيْن ، وهكذا هو
__________________
(١) ورد في ميزان الاعتدال ترجمة رقم ٧٩٤٢ «عزيز» بزاءين. والعبارة التالية لم ترد في ترجمته.
(٢) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «النقد».
(٣) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «التلاحن».
(٤) ضبطت في القاموس بكسر العين. وفي معجم البلدان : كفر عِزّا.