الْأَعْمَى) ١ كان المراد فيها النبي صلىاللهعليهوآله حينما اقبل عليه ابن ام مكتوم ، فقال مفسرنا :
|
قال كثير من المفسرين واهل الحشو : ان المراد به النبي صلىاللهعليهوآله قالوا : وذلك ان النبي صلىاللهعليهوآله كان معه جماعة من اشراف قومه ورؤسائهم قد خلا بهم ، فاقبل ابن ام مكتوم ليسلم ، فاعرض النبي صلىاللهعليهوآله عنه كراهية ان تكره القوم اقباله عليه ، فعاتبه الله على ذلك. وهذا فاسد ، لان النبي صلىاللهعليهوآله قد اجل الله قدره عن هذه الصفات ، وكيف يصفه بالعبوس والتقطيب ، وقد وصفه بانه (لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ٢ وقال : (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) ٣ وكيف يعرض عمن تقدم وصفه مع قوله تعالى : (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ٤ ومن عرف النبي صلىاللهعليهوآله وحسن اخلاقه ، وماخصه الله تعالى به من مكارم الاخلاق وحسن الصحبة حتى قيل ، انه لم يكن يصافح احدا قط ، فينزع يده من يده ، حتى يكون ذلك الذي ينزع يده من يده ، فمن هذه صفته كيف يقطب في وجه اعمى جاء يطلب الإسلام؟ على ان الانبياء عليهمالسلام منزهون عن مثل هذه الاخلاق وعما هو دونها لما في ذلك من التنفير عن قبول قولهم والاصغاء إلى دعائهم ، فلا يجوز مثل هذا على الانبياء من عرف مقدارهم وتبين نعتهم. ٥ |
وهكذا يستعين المفسر بالقرآن نفسه ببرء ساحة النبي ، ويدحض ما توهمه المفسرون بايات بينات من كتاب الله تعالى.
من كل ما تقدم تبين لنا مدى سعة اطلاع الشيخ الطوسي وتمكنه من تتبع الحقائق ومعرفته باسباب النزول لايات الكتاب العزيز ، وهو يرجح ما رجح من الاراء عن بينة ، ويرد ما رد عن بينة ، مع تدعيم ارائه بابلغ الحجج واوضحها ، وتلك سمة لاتتوفر الا في اولئك القلائل من اعلام المفسرين وكبارهم.
__________________
١. عبس ( ٨٠ ) الآيات ١ و ٢.
٢. القلم ( ٦٨ ) الآية ٤.
٣. آل عمران ( ٣ ) الآية ١٥٩.
٤. الأنعام ( ٦ ) الآية ٥٢.
٥. الطوسي ، التبيان ، ج ١ ، ص ٢٦٩.