الجَبَلُ الذي يُلْجَأُ إِليه ، هذا أَصلُه ، وكلّ ما التْجأَتَ إِليه وتَحصّنْتَ به فهو وَزَرٌ ، ومعنَى الآيةِ ، لا شيءَ يُعْتَصَمُ فيه من أَمْر الله.
والوِزْرُ بالكَسْر : الإِثْمُ ؛ والثِّقْلُ ؛ والكَارَةُ الكَبيرَةُ ؛ والسِّلاحُ ، هذه عبارةُ الجَوهريّ ولكن ليس فيها وَصْف الكارَة ، بالكبيرة ، وإِنّمَا سُمِّيَ الإِثم وِزْراً لِثِقَلِه ؛ والمراد من قوله : والثِّقْل ثِقل الحَرْب ، قال أَبو عبيد : أَوْزارُ الحَرْبِ وغيرِها أَثْقالُها وآلاتُهَا ، واحِدها وِزْرٌ ، بالكسر ، وقال غيره : لا وَاحدَ لها ، والمُرَادُ بأَثْقَال الحَرْبِ الآلةُ والسِّلاحُ ، وقد بَيَّنه الأَعشَى بقوله :
وأَعْدَدْتَ للْحَرْب أَوْزَارَهَا(١) |
رِمَاحاً طِوَالاً وخَيْلاً ذُكُورَا |
وقال ابن الأَثير : وأَكثرُ ما يُطْلَق الوِزْر في الحديث على الذَّنْب والإِثمِ. والوِزْرُ أَيضاً : الحِمْلُ الثَّقيلُ ، ج الكُلِّ : أَوْزَارٌ. وفي الأَساس ما يَدلّ على أَن إِطلاق الأَوزارِ بمعنَى السِّلاح والآلةِ مَجاز ، وكذلك قوله تعالى : (حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) (٢) وهو كِنَاية عن انقضاءِ الأَمرِ وخِفّة الأَثقَال وعَدمِ القِتال ، وكذا إِطلاق الوِزْر على الإِثم.
ووَزَرَهُ يَزِرُه ، كوَعَدَهُ يَعِدُه ، وِزْراً ، بالكسر : حَمَلَه.
ومنه قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣) أَي لا يُؤْخَذ أَحدٌ بذَنْبِ غيره ولا تَحْمِلُ نَفْسٌ آثِمَةٌ وِزْرَ نَفْسٍ أُخْرَى ، ولكن كلٌّ مَجزِيٌّ بعمله. وقال الأَخفش : لا تأْثَم آثْمَة بإِثم أُخرَى.
ومن المَجَاز : وَزَرَ الرجلُ يَزِرُ ، كوَعَدَ يَعد ، ووَزِرَ يَوْزَرُ ، كعَلِم يَعْلَم ، ووُزِرَ يُوزَرُ ، على بناءِ المفعول ، وِزْراً ووَزْراً ، بالكسْر والفتح ، وزِرَةً ، كعِدَةٍ ، والذي صَحّ عن الزَّجّاج : وِزْرَة ، بكسر الواو كما رأَيتُه مضبوطاً مجوّداً هكذا في اللسان ، ومعنَى الكلّ : أَثِمَ ، فهو مَوْزُورٌ ، هذا هو الصحيح : وأَما قولُه صلىاللهعليهوسلم لزائراتِ القُبور : «ارْجِعْنَ مأْزُورَاتٍ غيرَ مأْجُورَات» أَي آثِمَات ، والقياس مَوْزُورات ، فإِنّه للازْدوَاج ، أَي لمّا قابل المَوْزُور بالمَأْجُور قَلبَ الواوَ همزةً ليأْتِلف اللّفظانِ ويَزْدَوِجَا ، كذا قاله اللّيث. وقيل : هو على بَدلِ الهَمْزةِ من الواو في أُزِرَ ، وليس بقياس ، لأَن العِلّة التي من أَجلها هُمِزَت الوَاوُ في وُزِرَ ليست في مأْزورات ، ولوْ أفْرِدَ لقيل : مَوْزُورَات ، وهو القِياس.
ووَزَرَ الثُّلْمَةَ ، كوَعَدَهَا : سَدَّها ، نقله الصاغانيّ.
وعن أَبي عَمْرو : وَزَرَ الرَّجُلَ : غَلَبَه ، وقال :
قدْ وَزَرَتْ جِلَّتَهَا أَمْهَارُهَا
ومن المَجاز : وُزِرَ الرجلُ كعُنِيَ : رُمِيَ بوِزْر ، أَي ذَنْب.
ومن المَجاز : الوَزِيرُ ، كأَمير : حَبَأُ المَلِكَ الّذي يَحْمِلُ ثِقْلَه عنه ويُعِينُه برَأْيه. وفي التنزيل العزيز : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) (٤) قال أَبو أَسْحَاق : اشتقاقُه في اللغة من الوَزَرِ [والوَزَرُ :] (٥) الجَبَلُ الذي يُعْتَصم به ليُنْجِيَ من الهَلَاك ، وكذلك وَزِيرُ الخَليفةِ معناه الذي يَعتَمِد على رَأْيِه في أُمورِه ، ويَلْتجئُ إِليه ، وقد قيل لوَزيرِ السُّلطانِ وَزِيرٌ لأَنه يَزِرُ عن السُّلْطانِ ، أَثقالَ ما أُسنِدَ إِليه من تَدبِير المَملكة (٦) ، أَي يَحمل ذلك ، وقد اسْتوْزَرَهُ فَتَوَزَّرَ له. وقال الجَوْهريّ : الوَزير : المُوَازِر ، كالأَكِيل المُواكِلُ ، لأَنه يَحمِل عنه وِزْرَهُ ، أَي ثِقْلَه. وقد اسْتُوزِرَ فُلانٌ فهو يُوَازِرُ الأَميرَ ويَتَوَزَّرُ له.
ووَازَرَه على الأَمر : أَعانَه وقَوَّاه ، والأَصْل آزَرَهُ ، قال ابنُ سيدَه : ومن هُنا ذهبَ بعضُهم إِلى أَنّ الواوَ في وَزِير بَدَلٌ من الهَمْزة. قال أَبو العَبّاس : ليس بقِياس ، لأَنّه إِذا قَلّ بدَلُ الهمزةِ من الواو في هذا الضَّرْب من الحَركاتِ فبَدَلُ الواوِ من الهمزة أَبعدُ.
وقال الزّمخشريّ : وَزِيرُ المَلك ، الذي يُوَازِرُه أَعْباءَ المُلْك ، أَي يُحامِله ، وليس من المُؤَازَرةِ (٧) : المعاونة ، لأَن واوها عن همزة ، وفَعِيلٌ منها أَزيرٌ. وحالُهُ الوِزَارَةُ ، بالكسْر ويُفْتَح ، والكَسْرُ أَعْلَى ، ج أَوْزَارٌ ، كشَرِيف وأَشْرَاف ، ويَتِيم
__________________
(١) قال ابن بري وصواب إنشاده : فأعددتَ وفتح التاء لأنه يخاطب هوذة بن علي الحنفي وقبله :
ولما لقيت مع المخطرين |
وجدت الإله عليهم قديرا |
(٢) سورة محمد الآية ٤.
(٣) سورة الأنعام الآية ١٦٤.
(٤) سورة طه الآية ٢٩.
(٥) زيادة عن التهذيب.
(٦) في التهذيب : يزر عن السلطان أعباء تدبير المملكة.
(٧) عن الأساس وبالأصل «الموازرة».