وقد حَارَ وتَحَيَّر ، إِذا اجْتَمَع ودَارَ. قال : والحاجِرُ نَحْو منه ، وجَمعُه حُجْرَانٌ. وقال العَجَّاج :
سَقَاهُ رِيًّا حائِرٌ رَوِيُّ
والحَائِرُ : حَوْضٌ يُسَيَّبُ إِلَيْهِ مَسِيلُ مَاء مِنَ الأَمْطَارِ (١) يُسَمَّى هذا الاسْمُ بالمَاءِ.
وقِيلَ الحَائِرُ : المَكَانُ المُطْمَئِنّ يَجْتمِع فيه المَاءُ فيتحَيَّر لا يَخْرُج منه. قال :
صَعْدَة نابِتَة في حَائِر |
|
أَيْنَما الرِّيحُ تُميِّلْهَا تَمِلْ |
وقال أَبُو حَنِيفَة : من مُطْمَئِنَّات الأَرض الحائِرُ ، وهو المَكَانُ المُطْمَئِنُّ الوَسَطِ المُرْتَفِعُ الحُرُوفِ. ومن ذلك سَمَّوُا البُسْتَانَ بالحَائِر ، كالحَيْر ، بطَرْح الأَلِف ، كما عليه أَكْثَرُ النَّاسِ وعَامَّتُهم ، كما يقولون لعائِشَة : عَيْشَة يَسْتَحْسِنُون التَّخْفِيفَ [وطرح الألف] (٢). قيل : هو خَطَأٌ ، وأَنكَرَه أَبُو حَنِيفَة أَيضاً ، وقال : ولا يقال حَيْر ، إِلَّا أَنَّ أَبا عُبَيْد قال في تَفْسِير قَوْلِ رُؤْبَة :
حَتَّى إِذا ما هَاج حِيرَانُ الدَّرَقْ
الحِيران جَمْع حَيْر ، لم يَقُلْهَا أَحَدٌ غَيره ، ولا قَالَهَا هو إِلّا في تَفْسِير هذا البَيْت. قال ابنُ سِيدَه : ولَيْسَ ذلك أَيْضاً في كُلّ نُسْخَة.
ج حُورَانٌ وحِيرَانٌ ، بالضمِّ والكَسْر.
والحَائِرُ : الوَدَكُ ، وقد تَقَدّم في حَوَر أَيضاً.
والحَائِرُ : كَرْبَلَاءُ ، سُمِّيَت بِأَحَدِ هذِه الأَشْيَاءِ ، كالحَيْرَاءِ ، هكذا في النُّسَخ بالمَدِّ. والّذي في الصّحاح وغَيْرِه : الحَيْر ، أَي بفَتْح فَسُكُون ، بكَرْبلاءَ ، أَي سُمِّيَ لكَوْنه حِمًى. والحَائِرُ : ع ، بِهَا ، أَي بكَرْبلاءَ ، وهو المَوضِعُ الذِي فيه مَشْهَدُ الإِمامِ الحُسَيْن رضياللهعنه ، وقد تقدّم في حور ذلك.
ومن المَجَازِ قال ابنُ الأَعرابِيّ : لا آتِيه حَيْرِيَّ الدَّهْرِ ، بفتح الحَاءِ مُشَدَّدَةَ الآخِرِ. ورَوَى شَمِرٌ بإِسناده عن الرَّبِيعِ بنِ قُرَيْع قال : «سَمِعتُ ابنَ عُمَر يقول : لم يُعْطَ الرجلُ شَيئاً أَفْضَلَ من الطَّرْق ، الرَّجلُ يُطْرِقُ على الفَحْل أَو على الفَرَس فيَذْهَبُ حَيْرِيَّ الدَّهْرِ. فقال له رجلٌ : ما حَيْرِيُّ الدَّهْرِ؟ قال : لا يُحْسَبُ» ، هكذا رَواه بفَتْح الحاءِ وتَشْدِيد الْيَاءِ الثَّانِيَة وفَتْحِهَا ، وتُكْسَرُ الحَاءُ أَيضاً ، كما في رواية أُخْرَى وهي في الصّحاح ، ونقلَه ابنُ شُمَيْل عن ابنِ الأَعْرَابِيّ ، وذَكَرَه سِيبَوَيْه والأَخْفَشُ ، قال ابنُ الأَثِير : ويُرْوَى : حَيْرِي دَهْرٍ ، بفتح الحَاءِ سَاكِنَةَ الآخِرِ ، ونقلَه الأَخفَشُ. قال ابنُ جِنّي في حِيرِي دَهْرٍ ، بالسُّكُون : عندي شيْءٌ لم يَذْكُره أَحَدٌ ، وهو أَنَّ أَصْلَه حِيرِيّ دَهْرٍ ، ومعناه مُدَّةَ الدَّهْر ، فكأَنَّه مُدَّةُ تَحَيُّرِ الدَّهْرِ وبقَائِه ، فلما حُذِفت إِحْدَى اليائَين بَقِيَت الياءُ ساكِنَةً كَمَا كَانَت ، يَعْنِي : حُذِفَتْ المُدْغَمُ فيها وأُبْقِيَت (٣) الأخرى. فَعُذْر الأَول تَطَرُّفُ ما حُذِفَ ، وعُذْرُ الثَّاني سكُونُه. وتُنْصَبُ مُخَفَّفَةً ، من حَيْرِيّ ، كما قال الفَرَزْدَق :
تَأَمَّلْتُ نَسْراً والسِّماكَيْنِ أَيُّهُمَا |
|
عَلَيَّ من الغَيْثِ استَهَلَّت مواطِرُهْ |
وهذا التَّخْفِيف ذكره سِيبَوَيْه عن بَعْض.
ونُقل عن ابن شُمَيْل يقال : ذَهَب ذلك حَارِيَّ دَهْر وحاريَّ (٤) الدَّهْرِ. وعن ابن الأَعْرابِيّ : حِيَرَ دَهْر كعِنَب ، فهي ستُّ لُغَات ، كُلُّ ذلك أَي مُدَّةَ الدَّهْر ودَوَامه ، أَي ما أَقام الدَّهْر. وقال ابْنُ شُمَيْل : أَي أَبَداً ، والكُلُّ من تَحَيُّر الدَّهْرِ وبَقَائِه.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : ويجوز أَنْ يُرَادَ : ما كَرَّ ورَجَعَ ، من حَارَ يَحُورُ. وقال ابْنُ الأَثِير في تَفْسِير قَوْلِ ابْنِ عُمَر السّابِق : لا يُحْسَب ، أَي لا يُعْرَف حِسَابُه لكَثْرَتِه ، يريد أَنّ أَجْرَ ذلك دائِمٌ أَبداً لِموْضِع دَوامِ النَّسْلِ.
وقال شَمِرٌ : أَرادَ بقَوْله لا يُحْسَب ، أَي لا يُمْكِن أَن يُعْرَف قَدْرُه وحِسَابُه لكثْرتِه ودَوَامِه على وَجْهِ الدَّهْرِ.
وحَيْرَ ما ، أَي رُبَّما.
__________________
(١) كذا بالأصل والقاموس واللسان ، وفي التهذيب : الأمصار.
(٢) زيادة عن التهذيب.
(٣) العبارة في التكملة : وأُبقيت المُدغَمة ، ومن قاله بتخفيف الياء ، فكأنه حذف الأولى ، وأبقى الآخرة.
(٤) في التهذيب واللسان : وحَيْرِي.