ومن المجَاز : جَرَّت الخيلُ الأَرضَ بسَنابِكِها ، إِذا خَدَّتهَا (١) ، وأَنشدَ :
أَخادِيدُ جرَّتْهَا السَّنَابِكُ غادَرَتْ |
|
بها كلَّ مَشْقُوقِ القَمِيصِ مُجَدَّلِ |
قِيل للأَصْمعيِّ : جَرَّتْهَا من الجَرِيرَة؟ قال : لا ، ولكن من الجَرِّ في الأَرض والتَّأْثِير فيها ، كقوله :
مَجَرّ جُيُوشٍ غانِمِينَ وخُيَّبِ
ومن أَمثالهم : «سِطي (٢) مَجَرّ ، تُرْطِبْ هَجَرْ» ، يُرِيدُ تَوَسَّطِي يا مَجَرَّةُ كَبِدَ السّماءِ ، فإِنَّ ذلك وَقتُ إِرْطابِ النخِيل بهَجَر.
وفي حديثِ عُمرَ : «لا يَصْلُحُ هذا الأَمرُ إِلّا لمَن لا يَحْنَقُ على جِرَّتِهِ» ، أَي لا يحْقِدُ على رَعِيَّته ، فضَرَب الجِرَّةَ لذلك مثَلاً. ويقال معنَى قولهم : «فلانٌ لا يَحْنَقُ على جِرَّته» ، أَي لا يَكْتُمُ سِرًّا.
ومن أَمثالهم : «لا أَفعلُه ما اختلفَ الدِّرَّةُ والجِرَّةُ» ، و «ما خالَفَتْ دِرةٌ جِرَّةً» ، واختلافُهما أَن الدِّرَّةَ تَسْفُلُ إِلى الرِّجْلَيْن ، والجِرَّةَ تعلُوا إِلى الرَّأْس. ورَوَى ابنُ الأَعرابيِّ : أَن الحَجّاجَ سَأَلَ رجلاً قَدِمَ مِن الحِجَاز عن المَطَر ، فقال : «تَتابَعَتْ علينا الأَسْمِية حتى مَنَعَت السِّفار ، وتَظَالَمَت المعْزَى ، واجْتُلِبَتِ الدِّرَّةُ بالجِرَّة» ؛ اجتلابُ الدِّرَّة بالجِرَّة أَن المواشيَ تَتَمَلأُ ، ثمّ تَبْرُكُ أَو تَرْبِض ، فلا تَزالُ (٣) تَجْتَرُّ إِلى حينِ الحَلْب.
وفي الصّحاح ، والمصنِّف ، وأَكثر مصنَّفاتِ اللغة : قولهم : هَلُمَّ جَرًّا. قالوا : معناه على هِينَتِكَ.
وقال المُنْذِريُّ (٤) ، في قولهم : هَلُمَّ جرُّوا (٥) ؛ أَي تَعالَوْا على هِينَتِكم كما يَسْهُل عليكم من غير شدَّة ولا صُعُوبة ؛ وأَصْل ذلك من الجرِّ في السَّوْق ، وهو أَن يَتْرُكَ (٦) الإِبلَ والغَنَم تَرْعَى في مَسِيرهَا ، وأَنشد :
لَطالَما جَرَرْتُكنَّ جَرَّا |
|
حتَّى نَوَى الأَعْجَفُ واسْتَمَرَّا |
فاليَومَ لا آلو الرِّكاب شَرَّا
يقال : جُرَّها على أَفواهِها ، أَي سُقْها وهي تَرْتَع وتُصيبُ من الكَلَإِ.
ويقال : كان عاماً أَوّلَ كذا وكذا فهَلُمَّ جَرًّا إِلى اليوم ؛ أَي امتدَّ ذلك إِلى اليوم. وقد جاءَتْ في الحديث في غير موضع ، ومعناه استدامة الأَمر واتِّصَاله ؛ وأَصْلُه من الجَرِّ :السَّحْبِ ، وانتصبَ جَرًّا على المصدر ، أَو الحال. قال شيخنا : وقد تَوقَّفَ فيه ابن هِشام ؛ هل هو من الأَلفاظ العربيَّة أَو مولَّد ، وخَصَّه بالتَّضَيُّف (٧) ، وتَعَقَّبَه أَبو عبدِ الله الرّاعِي في تأْليفه ، الذي وَضَعَه لرَدِّ كلامِه ، وبَسَطَ الكلامَ عليها ابن الأَنبارِيّ في الزّاهر ، وغير واحد. وأَوْرَدَ الجَلَال كلامَ ابن هشَام في كتابه : «الأَشْبَاه والنَّظَائر النحويَّة» ، منقَّحاً تامًّا ، وقد أَوْدعْت هذا البحثَ كلَّه في رسالة مُستقلَّة ، أَغْنَتْ عن أَن نَجْلب أَكثرَ ذلك ، أَو أَقلَّه. انتهى باختصار.
والجَرْجَرَة : صَوْت البَعِير عند الضَّجَر.
وفي الحديث : «قَومٌ يقرءُون القرآنَ لا يُجَاوِز جَرَاجرَهم» ؛ أَي حُلوقَهُم ؛ سمّاهَا جَراجِرَ لجرْجَرَةِ الماءِ ، ومنه قول النّابغَة :
لَهَاميمُ يَسْتَلْهُونَها في الجَراجِرِ (٨)
وقيل : يُقال لها : الجَرَاجرُ ، لما يُسمع لها من صَوْتِ وُقوع الماءِ فيها.
والجُرَاجِرُ : الجوْف.
وذَكَرَ الأَزْهريُّ في هذه التَّرْجمَة : غَيْثٌ جِورٌّ ، كهِجَفٍّ ؛ أَي يَجُرُّ كلَّ شيْءٍ.
__________________
(١) عن الأساس ، وبالأصل «أخذتها» وقد نبه إلى عبارة الأساس بهامش المطبوعة المصرية.
(٢) ضبطت في اللسان بفتح السين خطأ والصواب ما ضبطناه والفعل : وسَطه يسِطه وسطاً كوعد.
(٣) في المطبوعة الكويتية : «فلا تزال تبرك تجتر» بزيادة «تبرك» تحريف.
(٤) الأصل واللسان ، وفي التذهيب : هلمّ جَرًّا.
(٥) القول الآتي هو قول المفضل بن سلمة نقله المنذري عنه كما في التهذيب.
(٦) التهذيب : تُترك الإبلُ.
(٧) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : بالتضيف كذا بخطه والذي في المطبوعة : بالتصنيف ، وليحرر».
(٨) ديوانه وصدره فيه :
عظام اللهى أولاد عذرة إنهم