زَعَم الفارسيُّ أَنه يَجوز أَن يكون صِفَةً للقَرَبِ ، وأَن يكون اسْماً للناقَةِ على أَنه تَرْخِيمُ جُلْذِيَّةٍ مُسَمَّى بها ، أَو جُلْذِيَّة صِفَةٌ. وفي التهذيب : الجُلْذِيُّ : الشديدُ من السَّيْرِ ، قال العَجَّاجُ يَصِفُ فَلَاةً :
الخِمْسُ والخِمْسُ بِهَا جُلْذِيُّ
أَي سير خمْس (١) بها شَدِيدٌ. وسَيْرٌ جُلْذِيٌّ ، وخِمْسٌ جُلْذِيٌّ : شديدٌ.
والجُلْذِيُّ : الرُّهْبَانُ ، هكذا في النُّسخ ، ولم أَجِدْه في دَواوين اللُّغَة ، ولعلَّه أَخذه من بيتِ ابنِ مُقْبِلٍ الآتي ذِكْرُه ، والأَوْلَى أَن يكون : والجُلْذِيُّ الراهبُ ، لكَوْنِه مفْرَداً كالجلَاذِيِّ ، بالضمّ في الكُلِّ ، مَجَاز في الصانع والخادِم والراهِب ، لغلظهم ، تشبيهاً لهم بالحَجَر أَو الأَرضِ الغَلِيظَة ، وجَمْعه الجَلَاذِيُّ ، بالفَتْحِ وقال ابنُ مقْبِلٍ :
صَوْتُ النَّوَاقِيسِ فِيه مَا يُفَرِّطُه |
|
أَيْدِي الجَلَاذِيِّ جُونٌ ما يُغَضِّينَا |
أَراد بهم الصُّنَّاعَ أَو خَدَم البِيعَةِ ، وفسّره بعضُهم فقال : هي جَمْعُ جُلْذِيَّة وهي النَّاقَة الصُّلْبَة.
والجُلْذُ ، بِالضَّمّ ، ومنهم من ضَبطه بالفتح ، وبعضهم ككَتِفٍ ونقل الأَخِيرَ السَّيوطِيُّ عن ابنِ سيده في كتاب الحيوان ولَيْسَ بِتصحيف الخُلْدِ ـ بالخَاءِ المعجمة ، كما زعمَه بعضٌ ، وصوَّب جَماعةٌ أَنه بالوجهَين ، كما قاله المُصَنِّف تَبعاً لابن سيده ، وأَغفلَه الدَّمِيرِيّ ومَن تبعه ، قاله شيخُنا. قلْت : إِن كان يُريد بمن تبعه السيوطيَّ ، وهو الظاهر ، فالأَمر بخلاف ذلك ، فإِن السيوطيّ لم يَغْفَلْ عنه ، بل ذَكَره في ديوان الحيوان في آخر مادة خلد ، ونَقَل الكلامَ والاختلاف ـ : الفَأْرُ الأَعْمَى ، ج مَنَاجِذُ ، على غيرِ واحِدِه ، كما قالوا خَلِفَة والجمع مَخاضٌ ، كذا في المحكم ، وقال في نجذ : والمَنَاجِذُ : الفأْر العُمْيُ ، واحدها جُلْذٌ ، كما أَن المَخاض من الإِبل إِنما واحدها خَلِفَة ، ورُبَّ شيْءٍ هكذا ، قال أَبو الثناءِ محمود : كذا قال : الفأْر ، ثم قال : العُمْي ، يَذهب بالفأْر إِلى الجِنْس. والاجْلِوَّاذُ والاجْلِيوَاذُ والاخْرِوَّاطُ (٢) أَيضاً : المَضَاءُ والسُّرْعةُ في السَّيْرِ ، قال سيبويهِ : لا يُستعمَل إِلَّا مَزيداً.
والاجْلِوَّاذُ : ذَهابُ المَطَرِ ، في التهذيب : واجْرَهَدَّ في السَّيْرِ ، واجْلَوَّذَ ، إِذا أَسرَعَ ، ومنه : اجْلَوَّذَ المَطَرُ ، إِذا ذَهَب وقَلَّ. وقرأْتُ في كِتَاب بُغية الآمال لأَبي جَعفرٍ اللَّبْلِيّ ما نَصُّه :
بِشَيْبَةِ الحَمْدِ أَسْقَى اللهُ بَلْدَتَنا |
|
وقَدْ عَدِمْنَا الحَيَا وَاجْلَوَّذَ المَطَرُ |
وفي المحكم : واجْلَوَّذَ الليلُ : ذَهَبَ قال :
أَلَا حَبَّذَا حَبَّذَا حَبَّذَا |
|
حَبِيبٌ تَحَمَّلْتُ مِنْهُ الأَذَى |
ويَا حَبَّذَا بَرْدُ أَنْيَابِهِ |
|
إِذَا أَظْلَمَ الليْلُ واجْلَوَّذَا |
ونقلَ شيخُنَا عن المُبرّد في الكامل للمنتشرِ بنِ وَهْبٍ الباهليّ (٣) :
لا تُنْكِرُ البَازِلُ الكَوْمَاءُ ضَرْبَتَه |
|
بِالمَشْرَفِيِّ إِذَا مَا اجْلَوَّذَ السَّفَرُ (٤) |
قال : اجْلَوَّذَ : امتَدَّ. قال : وأَنشدني الزِّيادِيُّ لرجُلٍ من أَهل الحِجَازِ أَحسبه ابنَ أَبي رَبيعة (٥) :
أَلَا حَبَّذَا حَبَّذَا حَبَّذَا
إِلخ. ثم قال : ولم يَذْكُر المصنِّف في معاني الاجْلِوَّاذِ الامتدادَ الذي ذكرَه المُبرّد ، ولا يَكاد يُؤْخَذ من كلامه.
قلت : ربّما يُؤْخَذُ الامتدادُ مِن الذَّهابِ ، أَخْذاً بالمَفْهُومِ من معنَى المضاءِ بأَدْنَى عِنَايَة ونَوْعِ تأَمُّلٍ كما لا يَخْفَى ، ثم رأَيت في اللسان ما نَصُّه : وفي حديث رَقِيقَةَ : «واجْلَوَّذ المَطْرُ» أَي امتَدَّ وقْتُ تأَخُّرِه وانْقِطاعِه.
* ومما يستدرك عليه :
__________________
(١) عن التهذيب ، وبالأصل «خمسين».
(٢) في اللسان : والاجرواط.
(٣) البيت في الكامل للمبرد ٣ / ١٤٣١ من قصيدة الأعشى باهلة يرثي المنتشر.
(٤) قال ابن شاذان : يقال اجلوذ الليل واخروط السفر. ومرّ قريباً الاجلواذ والاخرواط المضاء والسرعة في السير.
(٥) البيتان في معجم الأدباء ١ / ١٦١ ونسبهما للزيادي نفسه ، وهما في ديوان عمر في القسم المنسوب إليه.