فزَالَتِ المَدَامِعُ ، ولم يَزُلْ ذلك الجَفْنُ الدَّامِعُ ، قال ابنُ سِيدَه ، وهذه الأَبياتُ قَرَأْتُها على أَبِي العَلاءِ صاعِدُ بنِ الحَسَن في الكِتَاب المَوْسُوم بالفُصُوصِ.
وَكَذَا في الحُزْنِ ولكن (١) بِكَسْرِ ماضِيه ، مُرَاده أَن وَجِدَ في الحُزْن مِثْل وَجَدَ في الحُبِّ ، أَي ليس له إِلَّا مَصْدَرٌ واحِدٌ ، وهو الوَجْدُ ، وإِنما يخالفه في فِعْلِه ، ففِعل الحُبِّ مفتوح ، وفِعْل الحُزْن مَكسورٌ ، وهو المراد بقوله : ولكن بكسرِ ماضِيه. قال شيخُنا : والذي في الفصيح وغيرِه من الأُمَّهات القديمةِ كالصّحاحِ والعَيْنِ ومُخْتَصر العينِ اقتَصَرُوا فيه على الفَتْح فقط ، وكلامُ المصنّف صَرِيحٌ في أَنه إِنما يُقال بالكَسْرِ فقطْ ، وهو غَرِيبٌ ، فإِن الذين حَكَوْا فيه الكَسْرَ ذَكَرُوه مع الفَتْح الذي وَقَعَتْ عليه كَلِمَةُ الجماهيرِ ، نَعمْ حَكَى اللَّحْيَانيُّ فيه الكسْرَ والضَّمَّ في كتابِه النوادِر ، فظَنَّ ابنُ سِيدَه أَن الفَتْحَ الذي هو اللغةُ المشهورةُ غير مَسمُوعٍ فيه ، واقتصر في المُحكمِ على ذِكْرِهما فقط ، دون اللغَةِ المشهورةِ في الدَّوَاوِين ، وهو وَهَمٌ ، انتهى. قلت : والذي في اللسانِ : وَوَجَدَ الرَّجُلُ في الحُزْنِ وَجْداً ، بالفتح ، وَوَجِدَ ، كِلَاهُمَا عن اللِّحْيَانيِّ : حَزِنَ. فهو مُخَالِفٌ لما نَقَلَه شَيْخُنَا عن اللِّحْيانيِّ من الكَسْرِ والضّمِّ ، فليتأَمَّل ، ثم قال شيخُنَا : وابنُ سيده خالَفَ الجُمْهُورَ فَأَسْقَطَ اللُّغَةَ المشهورَةَ ، والمُصَنِّف خالَف ابنَ سِيدَه الذي هو مُقْتَدَاه في هذه المادَّةِ فاقتَصَر على الكَسْرِ ، كأَنَّه مُرَاعاةً لِرَدِيفه الذي هو حَزِنَ ، وعلى كِلِّ حالٍ فهو قُصُورٌ وإِخلالٌ ، والكَسْر الذي ذَكَرَه قد حكاه الهَجَرِيُّ وأَنشَدَ :
فَوَاكَبِدَا مِمَّا وَجِدْتُ مِن الأَسَى |
|
لَدَى رَمْسِه بَيْنَ القَطِيلِ المُشَذَّب |
قال : وكأَنَّ كَسْر الجِيمِ مِن لُغَتِه ، فتحَصَّل مِن مجموعِ كَلامِهم أَنَّ وَجَدَ بمعنى حَزِن فيه ثلاثُ لُغَاتٍ ، الفتْح الذي هو المشهور ، وعليه الجمهور ، والكسْر الذي عليه اقتصر المُصَنِّف والهَجَرِيّ وغيرُهما ، والضمُّ الذي حكاه الِّلحيانيّ في نَوَادِرِه ، ونقلَهما ابنُ سِيده في المُحْكَم مقتَصِراً عليهما.
والوُجْدُ : الغِنَى ، ويُثَلَّث ، وفي المحكم : اليَسَار والسَّعَةُ ، وفي التنزيلِ العزيز : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) (٢) وقد قُرِئ بالثلاث ، أَي في سَعَتِكم (٣) وما مَلَكْتُم ، وقال بعضُهم : مِن مَسَاكِنِكُم. قلت : وفي البصائر : قَرَأَ الأَعْرَجُ ونافِعٌ ويَحْيَى بن يَعْمُر وسَعِيد بن جُبَير وطَاوُوس وابنُ أَبي عَبْلَة وأَبو حَيْوَةَ : «مِنْ وَجْدِكُم» ، بالفتح ، وقرأَ أَبو الحَسن رَوْحُ بن عبد المُؤْمن : «من وِجْدِكم» بالكسر ، والباقُون بالضَّمّ ، انتهى ، قال شيخُنَا : والضمُّ أَفْصَح ، عن ابنِ خَالَوَيْه ، قال : ومعناه : من طَاقَتِكُم ووُسْعِكُم ، وحكَى هذا أَيضاً اللّحيانيُّ في نَوَادِرِه.
والوَجْدُ ، بالفتح : مَنْقَعُ الماءِ ، عن الصاغانيِّ ، وإِعجام الدال لغةٌ فيه ، كما سيأْتي ج وِجَادٌ ، بالكسر.
وأَوْجَدَه : أَغْنَاهُ.
وقال اللِّحيانيُّ : أَوْجَدَه إِيَّاه : جَعَلَه يَجِدُه.
وأَوْجَدَ اللهُ فُلاناً مطلُوبَهُ ، أَي أَظْفَرَهُ به.
وأَوْجَدَه عَلى الأَمْرِ : أَكْرَهَهُ وأَلْجَأَه ، وإِعجام الدَّالِ لُغَةٌ فيه.
وأَوْجَدَهُ بَعْدَ ضُعْفٍ : قَوَّاهُ ، كآجَدَه والذي في اللسان : وقالُوا : الحَمْدُ للهِ الذي أَوْجَدَني بَعْدَ فَقْر (٤) ، أَي أَغْنَاني ، وآجَدَنِي بَعْدَ ضَعْف ، أَي قَوَّانِي.
وعن أَبي سعيدٍ : تَوَجَّدَ فلانٌ السَّهَرَ وغَيْرَه : شَكَاهُ ، وهم لَا يَتَوَجَّدُونَ سَهَرَ لَيْلِهم ولا يَشْكُونَ ما مَسَّهم مِنْ مَشَقَّتِه.
والوَجِيدُ : مَا اسْتَوَى من الأَرْضِ ، ج وُجْدَانٌ ، بالضَّمّ ، وسيأْتي في المُعْجَمَة.
ووُجِدَ الشيْءُ مِن العَدَمِ ، وفي بعضِ الأُمّهات : عن عَدَمٍ ، ومثلُه في الصَّحاح كعُنِىَ ، فهو مَوجودٌ [مثل] (٥) : حُمَّ ، فهو مَحْمُومٌ ، ولا يُقَال : وَجَدَه الله تَعالى ، كما لا يُقَال : حَمَّه اللهُ ، وإِنما يقال : أَوْجَدَه الله تَعَالى وأَحَمَّه ، قال الفيّومِيّ : الموجود خِلافُ المَعْدُومِ (٦) ، وأَوْجَد اللهُ الشيْءَ من العَدَمِ فوُجِدَ فهو مَوْجُود ، من النَّوادِر ، مثْل أَجَنَّه اللهُ
__________________
(١) في القاموس «لكن» بدون «واو».
(٢) سورة الطلاق الآية ٦.
(٣) عن اللسان ، وبالأصل «سعيكم».
(٤) في التهذيب : «بعد ما أفقرني».
(٥) زيادة عن الصحاح واللسان.
(٦) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : الموجود الخ عبارة المصباح الذي بيدي : والوجود خلاف العدم».