العَرَب : «وِجْدَانُ الرِّقِينَ يُغَطِّي أَفَنَ الأَفِينِ».
قلت : وجرى ثعلبٌ في الفصيح بمثْلِ عبارةِ التهذيبِ ، وفي نوادِر اللِّحْيَانيِّ : وَجَدْتُ المالَ وكُلّ شيْءٍ أَجِدُه وَجْداً ووُجْداً ووِجْداً وجِدَةً ، قال أَبو جعفرٍ اللَّبْليُّ : وزاد اليزيديُّ في نوادِره ووُجُوداً ، قال : ويُقَال وَجَدَ بعد فَقْرٍ ، وافتقَرَ بَعْدَ وَجْدٍ. قلْت : فكلام المصنّف تَبَعاً لابنِ سيدَه يقتضِي أَنه يَتَعَدَّى بنفسِه. وكلام الأَزهريّ وثَعْلبٍ أَنه يتعدَّى بِفي ، قال شيخُنا : ولا منافاةَ بينهما ، لأَن المقصود وَجَدْتُ إِذ كان مَفْعُولُه المالَ بكون تَصريفُه ومصدَرُه على هذا الوَضْعِ ، والله أَعلَم.
فتأَمّل ، انتهى ، وأَبو العباسِ اقتصرَ في الفصيح على قَوْلِه : وَجَدْت المالَ وُجْداً ، أَي بالضمّ وجِدَةً ، قال شُرَّاحُه : معناه : استَغْنَيْتُ وكَسَبْتُ. قلت : وزاد غيرُه وِجْدَاناً ، ففي اللسانِ : وتقول وَجَدْت في الغِنَى واليَسَارِ وُجْداً ووُجْدَاناً.
ووَجَدَ عَلَيْهِ في الغَضَب يَجِدُ ويَجُدُ ، بالوجهينِ ، هكذا قاله ابنُ سِيدَه ، وفي التكملة : وَجَدَ عليه يَجُدُ لُغَة في يَجِدُ ، واقتصر في الفصيحِ على الأَوَّل وَجْداً بفتح فسكون وجِدَةً ، كعِدَةٍ ، ومَوْجِدَةً ، وعليه اقتصر ثعلبٌ ، وذكر الثلاثةَ صاحبُ الواعِي ، ووِجْدَاناً ، ذكرَه اللحيانيُّ في النوادر وابنُ سِيدَه في نَصِّ عِبارته ، ـ والعَجَب من المُصَنِّف كيف أَسْقَطَه مع اقتفائِه كلامَه ـ : غَضِبَ. وفي حديثِ الإِيمان : «إِنِّي سائِلُكَ فلا تَجِدْ عَلَيَّ» ، أَي لا تَغْضَبْ مِن سُؤَالي ، ومنه الحديث : «لم يَجِدِ الصائمُ على المُفْطِرِ» وقد تَكَرَّر ذِكْرُه في الحديث اسْماً وفِعْلاً ومَصدَراً ، وأَنشدَ اللِّحيانيُّ قولَ صَخْرِ الغَيِّ :
كِلَانَا ردَّ صَاحِبَهُ بِيَأْسٍ |
|
وتَأْنِيبٍ وَوِجْدَانٍ شَدِيدِ |
فهذا في الغَضَب ، لأَن صَخْرَ الغَيِّ أَيْأَسَ الحَمَامَةَ مِن وَلَدِهَا فَغَضِبَتْ عليه ، ولأَن الحمامةَ أَيأَسَتْه من وَلَده فغَضِبَ عليها ، وقال شُرَّاح الفصيحِ : وَجَدْتُ على الرَّجُلِ مَوْجِدَةً ، أَي غَضِبْتُ عليه ، وأَنا واجِدٌ عليه ، أَي غَضْبَانُ ، وحكَى القَزَّازُ في الجامِع وأَبو غالبٍ التِّيّانِيّ في المُوعب عن الفَرَّاءِ أَنه قال : سَمِعْت بعضَهم يقول : قد وَجِدَ ، بكسر الجيم ، والأَكثر فَتْحُهَا ، إِذا غَضَبَ ، وقال الزمخشريُّ عن الفراءِ : سَمِعْت فيه مَوْجَدَةً ، بفتح الجيم ، قال شيخُنَا : وهي غَرِيبَةٌ ، ولم يَتَعَرَّض لها ابنُ مالكٍ في الشَّواذِّ ، على كَثْرَةِ ما جَمَع ، وزادَ القَزَّازُ في الجامِع وصاحِبُ المُوعب كِلاهُمَا عن الفَرَّاءِ وُجُوداً ، من وَجَدَ : غَضِبَ ؛ وفي الغريب المُصَنَّف لأَبي عُبَيد أَنه يقال : وَجَد يَجِدُ مِن المَوْجِدَة والوِجْدَانِ جَمِيعاً.
وحكى ذلك القَزَّازُ عن الفَرَّاءِ ، وأَنشد البيتَ ، وعن السيرافيّ أَنه رَوَاه بالكَسْرِ ، وقال : هو القياسُ ، قال شيخُنَا : وإِنما كانَ القِيَاسَ لأَنه إِذا انضَمَّ الجيمُ وَجَبَ رَدُّ الواوِ ، كقولِهم وَجهُ يَوْجُه ، مِن الوَجَاهة ، ونَحْوه.
ووَجَد به وَجْداً ، بفتح فسكون ، فِي الحُبِّ فَقَطْ ، وإِنه لَيَجِد بِفُلَانَةَ وَجْداً شَدِيداً ، إِذا كانَ يَهْوَاها ويُحِبُّهَا حُبّاً شديداً ، وفي حديث وَفْد هَوَازِنَ قَوْلُ أَبي صُرَد (١) : «ما بَطْنُها بِوَالِد ، ولا زَوْجُها بِوَاجِد» أَي أَنه لا يُحِبُّهَا ، أَوردَه أَبو جَعْفَر اللبليّ ، وهو في النهاية ، وفي المحكم : وقالتْ شاعِرَةٌ مِن العرب وكَانَ تَزَوَّجَهَا رجُلٌ مِن غَيْرِ بَلَدِهَا فَعُنِّنَ عَنْهَا :
وَمَنْ يَهُدِ لِي مِنْ مَاءِ بَقْعَاءَ شَرْبَةً |
|
فَإِنَّ لَهُ مِنْ مَاءِ لَينَةَ أَرْبَعَا |
لَقَدْ زَادَنَا وَجْداً بِبَقْعَاءَ أَنَّنَا |
|
وَجَدْنَا مطَايَانَا بِلِينَةَ ظُلَّعَا (٢) |
فَمَنْ مُبْلِغٌ تِرْبَيَّ بِالرَّمْلِ أَنَّنِي |
|
بَكَيْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِعَيْنَيَّ مَدْمَعَا |
تقول : من أَهْدَى لِي شَرْبَةَ ماءٍ مِن بَقْعَاءَ على ما هُوَ به مِنْ مَرَارَةِ الطَّعْمِ فإِن له مِن ماءِ لِينَةَ على ما هُوَ به مِن العُذُوبَةِ أَرْبَعَ شَرَبَاتٍ ، لأَن بَقْعَاءَ حَبِيبَةٌ إِليَّ إِذْ هِي بَلَدي ومَوْلِدِي ، ولِينَةُ بَغِيضَةٌ إِليَّ ، لأَن الذي تَزوَّجَني مِن أَهْلِها غيرُ مَأَمُونٍ عَلَيَّ. وإِنما تلك كِنايةٌ عَنْ تَشَكِّيها لهذا الرَّجُلِ حين عُنِّن عَنْهَا. وقولُها : لقد زَادَني حُبّاً لِبَلْدَتِي بَقْعَاءَ هذِهِ أَن هذا الرجُلَ الذي تَزَوَّجَني من أَهلِ لِينَةَ عُنِّنَ عَنِّي ، فكانَ كالَمطِيَّةِ الظَّالِعَةِ لا تَحْمِلُ صاحِبَها ، وقولها :
فَمَنْ مُبْلِغٌ تِرْبَيَّ ...
البيت ، تقول : هَلْ مِن رَجُلٍ يُبْلِغُ صاحِبَتَيَّ بالرَّمْلِ أَنَّ بَعْلِي ضَعُفَ عَنِّي وعُنِّنَ فأَوْحَشَني ذلك إِلى أَنْ بَكَيْتُ حَتّى قَرِحَتْ أَجفانِي
__________________
(١) في اللسان : «وفي الحديث : حديث ابن عمرو عبينة بن حصن» وفي النهاية فكاللسان.
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : لقد زادنا الخ الذي في اللسان : لقد زادني وجداً ببقعاء أنني وجدت ..»