فجُنَّ فهو مَجْنُونٌ ، قال شيخُنا : وهذا البابُ من النوادرِ يُسَمِّيه أَئمّةُ الصَّرْفِ والعَربيَّةِ بابَ أَفْعَلْتُه فهو مَفْعُولٌ ، وقد عَقَدَ له أَبو عُبَيْدٍ بَاباً مُستقِلًّا في كتابِه الغَرِيب المُصَنَّف وذكر فيه أَلفاظاً منها : أَحَبَّه فهو مَحْبُوبٌ. قلت : وقد سبق البَحْثُ فيه في مواضِعَ مُتَعَدِّدةٍ في ح ب ب. وس ع د ، ون ب ت ، فراجِعْه ، وسيأْتي أَيضاً.
* ومما يستدرك عليه :
الواجِدُ : الغَنِيُّ قال الشاعِر :
الحَمْدُ للهِ الغَنِيِّ الوَاجِدِ
وفي أَسماءِ الله تعالى : الواجِدُ ، هو الغَنِيُّ الذي لا يَفْتَقِر.
وقد وَجَدَ يَجِدُ جِدَةً ، أَي استَغْنَى غِنىً لا فَقْرَ بَعْدَه ، قاله ابنُ الأَثير ، وفي الحديث : «لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وعِرْضَهُ» أَي القادِر على قَضَاءِ دَيْنِه ، وفي حديثٍ آخَرَ : «أَيُّهَا النَّاشِدُ ، غَيْرُك الوَاجِدُ» مِنْ وَجَدَ الضّالَّةَ يَجِدُهَا.
وتَوَجَّدْتُ لِفُلانٍ : حَزِنْتُ له.
واستَدْرَك شيخُنَا : الوِجَادَة ، بالكسر ، وهي في اصْطِلاح المُحَدِّثين اسمٌ لما أُخِذَ من العِلْمِ مِن صَحِيفَةٍ مِن غَيْرِ سَمَاعٍ ولا إِجَازَةٍ ولا مُنَاوَلَةٍ ، وهو مُوَلَّدٌ غيرُ مَسموعٍ ، كذا في التقريبِ للنووي.
والوُجُدُ ، بضمتين ، جَمْعُ واجِد ، كما في التَّوشيحِ ، وهو غَرِيبٌ ، وفي الجامع للقَزَّاز : يقولون : لم أَجْدِ مِن ذلك بُدّاً ، بسكون الجيم وكسْرِ الدال ، وأَنشد :
فَوَ اللهِ لَوْلَا بُغْضُكُمْ ما سَبَبْتُكُمْ |
|
ولكِنَّنِي لَمْ أَجْدِ مِنْ سَبِّكُمْ بُدّاً |
وفي المُفْرَدات للراغب : وَجَدَ اللهُ : عَلِم ، حَيْثُمَا وَقَعَ ، يعنِي في القُرآنِ ، ووافقَه على ذلك الزَّمَخْشَرِيُّ وغيرُه.
وفي الأَساس : وَجَدْت الضَّالَّةَ ، وأَوْجَدَنِيه اللهُ ، وهو واجِدٌ بِفُلانَةَ ، وعَلَيْهَا ، وَمُتَوَجِّدٌ.
وَتَوَاجَدَ فُلانٌ : أَرَى مِن نَفْسِه الوَجْدَ.
ووَجَدْتُ زَيْداً ذَا الحِفَاظِ : عَلِمْتُ.
والإِيجادُ : الإِنشاءُ من غير سَبقِ مِثَالٍ.
وفي كِتَاب الأَفْعَال لابنِ القطَّاع : وأُوْجِدَتِ النّاقَةُ : أُوثِقَ خَلْقُهَا.
تكميل وتذنيب : قال شيخنا نقلاً عن شَرْحِ الفصيح لابنِ هشامٍ اللَّخميِّ : وَجدَ له خَمْسَةُ مَعَانٍ ، ذَكرَ منها أَرْبَعَةً ولم يَذكر الخَامِس ، وهو : العِلْمُ والإِصابَةُ والغَضَب والإِيسارُ وهو الاستغْنَاءُ ، والاهتمام وهو الحُزْن ، قال : وهو في الأَوّل مُتَعَدٍّ إِلى مفعولينِ ، كقوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى. وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) (١).
وفي الثاني مُتَعدٍّ إِلى واحِدٍ ، كقولِه تعالى : (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) (٢).
وفي الثالثِ متَعدٍّ بحرْف الجَرِّ ، كقولِه وَجَدْت على الرَّجُلِ ، إِذا غَضِبْتَ عليه.
وفي الوجهين الأَخِيرَين لا يَتَعَدَّى ، كقولِك : وَجَدْت في المالِ ، أَي أَيْسَرْت ، ووَجَدْتُ في الحُزْن ، أَي اغْتَمَمْتُ.
قال شيخُنَا : وبقيَ عليه : وَجَدَ به ، إِذَا أَحَبَّه وَجْداً ، كما مَرَّ عن المُصنِّف ، وقد استدرَكه الفِهْرِيُّ وغيرُه على أَبي العَبَّاسِ في شَرْحِ الفصيحِ ، ثم إِن وَجَدَ بمعنى عَلِمَ الذي قال اللّخميّ إِنه بَقِيَ على صاحِبِ الفصيح لم يَذْكُر له مِثَالاً ، وكأَنّه قَصَدَ وَجَدَ التي هي أُخْتُ ظَنَّ ، ولذلك قال يَتَعَدَّى لِمَفْعُولينِ ، فيبقى وَجَدَ بمعنَى عَلِم الذي يتعدَّى لمفعولٍ واحِدٍ ، ذكرَه جمَاعَةٌ ، وقَرِيبٌ من ذلك كلامُ الجَلَالِ في هَمْعِ الهَوَامِعِ ، وَجَدَ بمعنَى عَلِمَ يتعَدَّى لمفعولينِ ومَصْدَرُه وِجْدَانٌ ، عن الأَخْفَش ، ووُجُود ، عن السيرافيّ ، وبمعنى أَصَابَ يتعدَّى لواحِدٍ ، ومَصْدرُه وِجْدَانٌ ، وبمعنى اسْتَغْنَى أَو حَزِنَ أَو غَضِب لازِمَةٌ ، ومصدر الأَوَّل الوَجْد ، مثلّثه ، والثاني الوَجْدُ ، بالفتح ، والثالث المَوْجِدَة.
قلت : وأَخْصَرُ من هذا قولُ ابنِ القَطّاعِ في الأَفعال : وَجَدْتُ الشيْءَ وِجْدَاناً بعد ذَهَابِه وفي الغِنَى بَعْدَ الفَقْرِ جِدَةً ، وفي الغَضَب مَوْجِدَةً وفي الحُزْن وَجْداً حَزِنَ.
__________________
(١) سورة الضحى الآيتان ٧ و ٨.
(٢) سورة الكهف الآية ٥٣.