ووِجْدَاناً وإِجْدَاناً ، بِكَسْرِهما ، الأَخِيرة عن ابن الأَعْرابيّ : أَدْرَكَه ، وأَنشد :
وآخَر مُلْتَاث يجُرُّ كِساءَه |
|
نَفَى عَنْه إِجْدَانُ الرِّقِينَ المَلَاوِيَا |
قال : وهذا يَدُلّ على بَدَلِ الهمزة من الواوِ المكسورةِ ، كما قالوا إِلْدَة في وِلْدَة. واقتصر في الفَصيح على الوِجْدَان ، بالكسر ، كما قالوا في أَنشَدَ : نِشْدَان ، وفي كتاب الأَبنيَة لابن القطّاع : وَجَدَ مَطْلوبَه يَجِدُه وُجُوداً ويَجُدْه أَيضاً ، بالضمّ ، لُغَة عامِريّة لا نظير لَهَا في باب المِثال ، قال لَبِيدٌ وهو عامِرِيٌّ :
لَمْ أَرَ مِثْلَكِ يَا أُمَامَ خَلِيلَا |
|
آبَى (١) بِحَاجَتِنَا وَأَحْسَنَ قِيلَا |
لَوْ شِئْتِ قَدْ نَقَعَ الفُؤَادُ بِشَرْبَةٍ (٢) |
|
تَدَعُ الصَّوادِيَ لَا يَجُدْنَ غَلِيلاً |
بِالعَذْبِ مِنْ رَضَفِ القِلَاتِ مَقِيلَةً |
|
قَضَّ الأَباطِحِ لَا يزالُ ظَلِيلَا (٣) |
وقال ابْنُ بَرّيّ : الشِّعْرُ لِجَرِيرٍ وليس للبيدٍ ، كما زعم الجوهَرِيُّ. قلت : ومثله في البصائر للمُصَنِّف وقال ابن عُدَيْس : هذه لُغَة بني عامرٍ ، والبيتُ للبيد ، وهو عامِريٌّ ، وصرّحَ به الفرَّاءُ ، ونقله القَزَّاز في الجامع عنه ، وحكاها السيرافيُّ أَيضاً في كتاب الإِقناع ، واللِّحْيَانيُّ في نوادِرِه ، وكُلُّهم أَنشدوا البَيْتَ ، وقال الفَرَّاءُ : ولم نسمع لها بنَظِيرٍ ، زاد السيرَافيّ : ويُروَى : يَجِدْن ، بالكسر ، وهو القياس ، قال سِيبويهِ : وقد قال ناسٌ من العرب وَجَد يَجُد ، كأَنهم حَذَفوها مِن يَوجُدُ ، قال : وهذا لا يكادُ يُوجد في الكلام. قلت : ويفهم من كلام سيبويه هذا أَنها لُغَة في وَجَد بجميع معانِيه ، كما جَزَم به شُرَّاح الكتابِ ، ونقلَه ابنُ هِشَامٍ اللَّخميُّ في شَرْح الفَصِيح ، وهو ظاهرُ كلامِ الأَكثر ، ومقتضَى كلام المصنّف أَنها مقصورةٌ على مَعْنَى وَجَدَ المَطلوبَ ، ووَجَد عليه إِذا غَضِب ، كما سيأْتي ، ووافقَه أَبو جَعفر اللَّبْلِيّ في شَرْح الفصيحِ ، قال شيخُنَا : وجَعلُها عامَّةً هو الصواب ، ويدلُّ له البيتُ الذي أَنشدُوه ، فإِن قوله : «لا يَجُدْن غَلِيلاً» ليس بشيْءٍ مما قَيَّدُوه به ، بل هو من الوِجْدَانِ ، أَو من معنَى الإِصابة ، كما هو ظاهر ، ومن الغريب ما نَقَلَه شيخُنَا في آخرِ المادّة في التنبيهات ما نَصُّه : الرابع ، وقَعَ في التسهيل للشيخ ابنِ مالكٍ ما يقتضي أَن لُغَة بني عامِرٍ عامَّة في اللسان مُطْلقاً ، وأَنَّهُم يَضُمُّون مُضَارِعَه مُطْلَقاً من غيرِ قَيْدٍ بِوَجَدَ أَو غيرِه ، فيقولون وَجَد يَجُد ووَعَدَ يَعُدُ ، ووَلَد يَلُدُ ، ونَحْوها ، بضمّ المضارع ، وهو عجيبٌ منه رحمهالله ، فإِن المعروف بين أَئمّة الصَّرْف وعُلماءِ العَربيَّةِ أَن هذه اللغةَ العامريَّةَ خاصَّةٌ بهذا اللفظ الذي هو وَجَدَ ، بل بعضُهم خَصَّه ببعضِ مَعَانِيه ، كما هو صَنِيعُ أَبي عُبيدٍ في المُصَنَّف ، واقتضاه كلامُ المُصَنِّف ، ولذلك رَدّ شُرَّاحُ التسهيل إِطلاقَه وتَعَقَّبُوه ، قال أَبو حَيَّان : بنو عامرٍ إِنما رُوِيَ عنهم ضَمُّ عَيْنِ مُضَارعِ وَجَدَ خاصَّةً ، فقالوا فيه يَجُدُ ، بالضّمّ ، وأَنشدوا :
يَدَعُ الصَّوَادِيَ لَا يَجُدْنَ غَلِيلَا
على خلافٍ في رِوَايَةِ البيتِ ، فإِن السيرافيّ قال في شرح الكتاب : ويُرْوَى بالكسر ، وقد صرَّح الفارَابِيُّ وغيرُه بِقَصْرِ لُغَةِ بني عامرِ بن صَعْصَعَة على هذه اللفظةِ ، قال : وكذا جَرَى عليه أَبو الحسن بن عصفور فقال : وقد شَذَّ عن فَعَل الذي فاؤه واوٌ لفظةٌ واحدةٌ ، فجاءَت بالضمّ ، وهي وَجَد يَجُد ، قال : وأَصلُه يَوْجُد فحُذِفت الواو ، لكَون الضَّمَّة هنا شاذَّةً ، والأَصل الكسْر. قلت : ومثل هذا التعليل صَرَّحَ به أَبو عليٍّ الفارسيُّ قال : ويَجُد كانَ أَصلُه يَوْجُد ، مثل يَوْطُؤُ ، لكنه لما كان فِعْلٌ يُوْجَدُ فيه يَفْعِل ويَفْعُلُ كأَنَّهم توَهَّموا أَنه يَفْعُل ، ولما كان فِعْلٌ لا يُوجَد فيه إِلَّا يَفْعِل لم يَصِحّ فيه هذا.
ووَجَدَ المالَ وغَيْرَه يَجِدُه وجْداً ، مثلَّثَةً وجِدَةً ، كعِدَةٍ : اسْتَغْنَى ، هذه عبارةُ المُحْكَم ، وفي التهذيب يقال : وَجَدْتُ في المال وُجْداً ووَجْداً (٤) ووِجْداً ووِجْدَاناً وجِدَةً ، أَي صرْتُ ذا مالٍ ، قال : وقد يُستعمل الوِجْدَانُ في الوُجْدِ ، ومنه قولُ
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله آبى ، الذي في التكملة أنأى».
(٢) في ديوان جرير ـ والأبيات لجرير يهجو بها الفرزدق ، وليس للبيد ـ
.. بمشرب بدع الحوائم
وقوله : نقع الفؤاد أي روي ، يقال : نقع الماء العطش ، اذهبه نقعاً ونقوعاً فيهما. والصادي : العطشان.
(٣) القلات جمع قلت وهو نقرة في الجبل يستنقع فيها ماء السماء. وقض الأباطح : يريد أنها خصبة.
(٤) سقطت من التهذيب المطبوع : وفي اللسان فكالأصل.