معنى هذه الآية ، إِلّا أَنَّ اللغة قد أَجازَتْ : لم يَكَدْ يَفْعَل وقد فعَل بَعْدَ شِدَّة ، وليس هذا صِحَّةَ الكلامِ ، لأَنه إِذا قال : كادَ يَفْعَل ، فإِنما يعِني قارَبَ الفِعْل ، وإِذا قال : لم يَكد يَفْعَل ، يقول : لم يُقَارِب الفِعْلَ ، إِلَّا أَن اللُّغَة جاءَت على ما فُسِّرَ (١). وقال الفَرَّاءُ : كُلَّمَا (أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) مِن شِدَّة الظُّلمَةِ ، لأَن أَقَلَّ مِن هذه الظُّلمةِ لا تُرَى اليَدُ فيه ، وأَما لم يَكَد يَقُوم ، فقَدْ قَام ، هذا أَكْثَر اللُّغَة.
وقد تكون كاد بمعنى أَرادَ ، ومنه قوله تَعالى : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) (٢) وقوله تعالى : أَكادُ أُخْفِيها (٣) أَي أَردنا ، وأُرِيدُ وأَنشد أَبو بَكْرٍ للأَفْوَه :
فَإِنْ تَجَمَّعَ أَوْتَادٌ وأَعْمِدَةٌ |
|
وسَاكِنٌ بَلَغُوا الأَمْرَ الذي كَادُوا |
أَراد : الذي أَرادوا ، وأَنشد الأَخفشُ :
كَادَتْ وكِدْتُ وتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ |
|
لَوْ كَانَ مِنْ لَهْوِ الصَّبَابَةِ مَا مَضَى |
قال : معناه أَرادَتْ وأَردْت ، وقال الأَخفش في تفسير الآية : مَعناه : أُخْفِيهَا. وفي تَذكرةِ أَبي عَلِيٍّ أَن بعضَ أَهلِ التأْوِيل قالوا : (أَكادُ أُخْفِيها) مَعْنَاه : أُظهِرُها ، قال شَيْخُنَا : والأَكثر على بقائها على أَصْلِها ، كما في البحْر والنَّهْرِ وإِعْرَابِ أَبي البقاءِ والسَّفاقِسيّ ، فلا حاجةَ إِلى الخُروج عن الظاهر ، والله أعلم ، قال السيوطيّ : وعكسه كقوله تعالى : (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) (٤) أَي يكاد قلت : وفي اللسان : قال بعضهم في قوله تعالى : (أَكادُ أُخْفِيها) أُريد أُخفيها ، فكما جاز أَن تُوضَع أُريد مَوْضِعَ أَكاد في قوله (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) فكذلك أَكادُ ، فتأَمَّلْ. وقال ابنُ العَوَّام (٥) : كاد زَيْدٌ أَن يَمُوتَ. «وأَن» لا تَدخل مَع كادَ ولا مع ما تَصرّف مِنها (٦) ، قال الله تعالى : (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) (٧) وكذلك جميع ما في القُرآن ، قال : وقد يُدْخِلون عليها أَنْ ، تَشْبِيهاً بِعَسَى ، قال رؤبة :
قَدْ كَادَ مِنْ طُولِ البِلَى أَنْ يَمْصَحَا
ومن ذلك قولهم : عَرَفَ فلان مَا يُكَادُ مِنْه ، أَي ما يُرَادَ ، وفي حديث عَمْرِو بن العاصِ : «مَا قَوْلُك في عُقُولٍ كَادَها خَالِقُها» وفي روايةٍ «تِلْكَ عُقولٌ كادَهَا بَارِئُها» أَي أَرادَها بِسُوءٍ.
وقال الليث : الكَوْدُ مصْدر كادَ يَكُود كَوْداً ومَكَاداً ومَكَادَةً ، تقول لِمَن يَطلُب إِليك شيئاً ولا تُريد أَن تُعْطِيَه تقول : لا ولَا مَهَمَّةَ ولا مَكادَةَ. ولا كَوْداً ولا هَمًّا ، ولا مَكَاداً ولا مَهَمٍّا ، أَي لا أَهُمُّ ولا أَكادُ.
ويَكُودُ على صِيغة المضارع : ع عن الصاغانيّ ، ولم أَجده في معجم ياقوتٍ ، مع استيعابه.
وهو يَكُودُ بِنَفْسِه كَوْداً ، عن الصاغانيّ ، لُغَة في يَكِيد كَيْداً ، أَي يَجُود بها ويسوق ، وذكره غالبُ اللغويين في الياءِ ، وسيأْتي.
واكْوَأَدَّ الفَرْخُ والشَّيْخُ : شَاخَ وارْتَعَشَ ، كاكْوَهَدَّ.
والكَوْدَةُ : (٨) كلّ ما جَمَعْتَ من تُرَابٍ وطعام ونَحْوِه وجَعَلْتَه كُثَباً ، ج أَكْوَادٌ.
وكَوَّدَه أَي الترابَ : جَمَعَه وجعَله كُثْبَةً واحِدةً ، يمانية.
وكُوَادٌ ، وكُوَيُدٌ ، كغُرَابِ وزُبَيْرٍ : اسمانِ.
__________________
(١) زيد في التهذيب : وليس هو على صحة الكلمة.
(٢) سورة يوسف الآية ٧٦.
(٣) سورة طه الآية ١٥.
(٤) سورة الكهف الآية ٧٧.
(٥) كذا بالأصل واللسان ، وفي التهذيب : وقالت العوامّ.
(٦) بهامش التهذيب قال محققه : «هذا ادعاء الأصمعي وأشياعه والمأثور عن العرب نظماً ونثراً ينقضه ويفنده ، وقد تعرض الحريري لهذا ، وردّ عليه الخفاجي في شرح درة الغواص ص ١٣٣ بقوله : قال أفصح الفصحاء ص : «كاد الفقر أن يكون كفراً» و «كاد الحسد أن يغلب القدر» وهذا معروف في كلام العرب كقول ذي الرمة :
وجدت فؤادي كاد أن يستخفه |
|
خليع الهوى من أجل ما يتذكر |
الخ. ومنه قول العجاج :
لقد كاد من طول البلى أن يمحصا
ومن أمثالهم : «كاد العروس أن يكون ملكاً».
(٧) سورة الأعراف الآية ١٥٠.
(٨) اللسان : والكود.