وكِدْت أَفْعَل كذا ، أَي هَمَمْتُ ، ولغة بني عَدِيٍّ بالضَّمّ ، وحكاه سيبويه عن بعضِ العربِ. وفي الأَفعال لابن القَطَّاع : كادَ يَكَادُ كَاداً وكَوْداً ، همّ وأَكثرُ العَرَب على كِدْت ، أَي بالكسر ، ومنهم من يقول كُدْتُ ، أَي بالضمّ ، وأَجمعوا على يَكَادُ ، في المستقبل ، ونقل شيخنا عن تصريف الميدانيّ أَنه قد جاءَ فيه فَعُلَ أَي بالضم يَفْعَل بالفتح ، على لغة من قال كُدْتَ تَكادُ ، بضم الكاف في الماضي قال شيخُنا : وذكر غيرُه : وقالوا : هو مما شَذَّ في باب فَعُلَ بالضمّ ، فإِن مضارعه لا يكون إِلّا يَفْعُلُ بالضمّ ، وقد سبق أَنه شَذَّ ، لَبَّ وما مَعَهُ ، وهذا مما زادوه ، كما في شروح اللامِيّة. وقال الزمخشريّ : قد حَوَّلُوا عند اتصال ضميرِ الفَاعِل فَعَل من الواو إِلى فَعُل ، ومن الياءِ إِلى فَعِل ، ثم نقلت الضمّة والكسرة إِلى الفاءِ ، فيقال قُلتْ وقُلْن ، وبِعْت وبِعْنَ ولم يحوِّلوا في غير الضمير إِلَّا ما جاءَ في قول ناسٍ من العرب كِيدَ يَفْعَل ومَا زِيلَ.
قلت : وأَورد هذا البحثَ أَبو جعفرٍ اللّبْلِيّ في بُغْية الآمال ، وأَلْمَمنا ببعضه في «التعريف بضروريّ اللغة والتصريف» فراجعه. وفي اللسان : كاد : وُضِعتْ لمُقَارَبة الشيْءِ. فُعِلَ أَو لم يُفْعَل مُجَرَّدَةً تُنْبِيءُ عن نَفْيِ الفِعْلِ ، ومَقْرُونَةً بالجَحْدِ تُنْبِيءُ عن وقُوعهِ أَي الفعل ، وفي الإِتقان للسيوطيّ : كادَ فِعْلٌ ناقِصٌ أَتى منه الماضي والمضارع فقط ، له اسمٌ مَرفوع وخبرٌ مُضَارع مُجَرَّد من أَنْ ، ومعناها : قارَبَ ، فَنَفْيُهَا نَفْيٌ للمُقَارَبَة ، وإِثباتها إِثباتٌ للمُقَارَبة ، واشتهر على أَلسنة كثيرٍ أَن نَفْيَها إِثباتٌ وإِثباتَها نَفْيٌ ، فقولك : كاد زيدٌ يَفْعَل ، معناه لم يَفْعل ، بدليل ، (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) (١). وما كاد يفعل ، معناه فَعَل ، بدليل (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (٢) أَخرجَ ابنُ أَبي حاتمٍ من طريق الضَّحَّاك ، عن ابنِ عبَّاس قال : كُلّ شيْءٍ في القرآن (كادَ) وأَكادُ و (يَكادُ) ، فإِنه لا يَكون أَبداً ، وقيل : إِنها تُفيد الدّلالة على وُقوعِ الفِعْل بِعُسُرٍ ، وقيل : نَفْيُ الماضي إِثباتٌ ، بدليل (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ونفي المضارع نَفيٌ بدليل (لَمْ يَكَدْ يَراها) (٣) مع أَنه لم يَرَ شيئاً.
والصحيح الأَوّل ، أَنها كغيرها ، نَفْيها نَفيٌ وإِثباتُهَا إِثباتٌ ، فمعنى كادَ يَفعل : قارَبَ الفِعْل ولمْ يَفْعَل. وما كادَ يَفْعَل : ما قَارَب الفِعْل فَضْلاً عنْ أَنْ يَفْعَل ، فنَفْيُ الفِعْلِ لازِمٌ مِن نَفْيِ المُقَارَبَة عَقْلاً. وأَما آية (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (٤) فهو إِخبار عن حالهم في أَوّلِ الأَمر ، فإِنهم كانُوا أَوَّلاً بُعدَاءَ مِن ذَبْحِهَا ، وإِثبات الفِعْل إِنما فُهِم من دَلِيل آخرَ ، وهو قوله تعالى (فَذَبَحُوها) وأَما قوله (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ) (٥) مع أَنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يَرْكَنْ لَا قَليلاً ولا كثيراً ، فإِنه مَفهومٌ مِن جِهَةِ أَنّ لَوْلَا الامتناعِيَّةَ تقتضِي ذلك ، انتهى. وفي اللسان : وقال أَبو بكر في قولهم : قَدْ كَادَ فُلَانٌ يَهْلِك : معناه : قد قَارَبَ الهَلَاكَ ولم يَهْلِك ، فإِذا قُلتَ ما كَادَ فُلانٌ يَقُوم ، فمعناه : قامَ بعد إِبطاءٍ وكذلك ، كاد يَقوم معناه قاربَ القِيَامَ ولم يَقُمْ. قال : وهذا وَجْهُ الكلام ، ثم قال : وقَد تَكون كاد صِلَةً للكلامِ ، أَجاز ذلك الأَخْفَشُ وقُطْرُبٌ وأَبو حاتمٍ ، واحتجّ قُطربٌ بقولِ زيدِ الخَيْلِ :
سَرِيعٍ إِلى الهَبْجَاءِ شَاكٍ سِلاحُهُ |
|
فَما إِنْ يَكادُ قِرْنُه يَتَنَفَّسُ |
معناهُ ما يَتَنَفَّسُ قِرْنُه. وقال حَسَّان :
وَتَكَادُ تَكْسَلُ أَنْ تَجِيءَ فِرَاشَهَا |
|
فِي لِينِ خَرْعَبَةٍ وحُسْنِ قَوَامِ |
معناه وتَكسل ، ومنه قوله تعالى لَمْ يَكَدْ يَراها أَي لمْ يَرَها ولم يقارب ذلك ، وقال بعضُهم : رَآهَا مِن بَعْدِ أَن لم يَكَدْ يَراهَا مِن شِدَّةِ الظُّلْمَة. فاتَّضَح بذلك أَن قولَ شيخِنَا : كَوْن كاد صِلَةٌ للكلام لا قائلَ به إِلا ما وَرَد عن ضَعَفَةِ المُفسِّرين ، تَحَامُلٌ على المُصنِّف وقُصُورٌ لا يَخْفَى. وقال الأَخْفَشُ في قوله تعالى (لَمْ يَكَدْ يَراها) حَمْلٌ على المَعَنى ، وذلك أَنه لا يراها ، وذلك أَنك إِذا قلت كاد يَفْعَل إِنما تَعِني قَارَب الفِعْل (٦) ، على صِحَّةِ الكَلَامِ ، وهكذا
__________________
وشرح القاموس ، ومقتضاه أن العرب نطقت بيكود مضارع كاد بمعنى قارب ، وفي شرح القاموس في كيد : أكثر العرب على كدت أي بالكسر ومنهم من يقول كُدت أي بالضم ، وأجمعوا على يكاد في المستقبل».
(١) سورة الاسراء الآية ٧٣.
(٢) سورة البقرة الآية ٧١.
(٣) سورة النور الآية ٤٠.
(٤) سورة البقرة الآية ٧١.
(٥) سورة الاسراء الآية ٧٤.
(٦) زيد في التهذيب : ولم يفعل.