أَنَا ابنُ مُزَيْقِيَا عَمْرٍو وجَدِّي |
|
أَبوه عامِرٌ ماءُ السَّماءِ |
هكذا رواه أَهلُ الأَنْسَاب ، كابن حَزْمٍ وابن رَشِيق والسُّهَيليّ ، ويرويه النحويّون أَبُوه مُنْذِرٌ ، بدل «عامر» وهو غَلَطٌ ، قاله شيخُنا ، وإِنما لُقِّب به لأَنه كان إِذا أَجْدَب القَوْمُ وحَلَّ بهم المَحْلُ مَانَهم وقامَ بِطَعَامِهِم وشرابهِم حتى يَأْتِيَهم المَطَرُ ، فقالوا له : ماءُ السماءِ. قلت : وعامرٌ ماءُ السماءِ أَعْقَب عِمْرَانَ (١) بن عامِر وعَمْرواً مُزَيْقِياءَ ، فهما ابنا عامرٍ ماءِ السماءِ بن حارِثةَ الغِطْرِيفِ بنِ امرِئ القيس الغِطريفِ بن ثَعْلَبة البُهْلول بن مازن السِّراج بن الأَزد ، والعَقِب من عمرٍ ومُزيقياءَ في سِتِّ أَبْطُنٍ : ثَعْلَبَة العَنْقَاء ، وحارِثَة ، وجَفْنَة ، وعِمْرَان ، ومُحَرِّق (٢) ، وكَعْب. أَولاد عَمْرو (٣) ، ومن ثَعلبةَ العنقاءِ : الأَوْسُ والخَزْرَجُ ، كما حَقّقناه في مُؤلّفاتنا في هذا الفن ، وهذا الذي ذهب إِليه المُصنّف هو الذي جَزم به ابنُ خِلِّكان في وَفَيات الأَعيان ، في ترجمة المُهلَّب بن أَبي صُفْرة. قال : إِن الأَكْرَاد من نَسْل عَمْرٍو مُزيقياءَ ، وَقَعوا إِلى أَرْض العَجَم فتَنَاسَلُوا بها وكَثُر وَلَدُهم ، فَسُمُّوا الأَكرادَ ، قال بعضُ الشعراءِ :
لَعَمْرُكَ مَا الأَكْرَادُ أَبْنَاءُ فَارِسٍ |
|
ولكِنَّهُ كُرْدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَامِرِ |
هكذا زَعَمَ النسّابون. وقال ابنُ قُتَيبة في كتابِ المَعَارِف : تَذْكُر العَجَمُ أَنَّ الأَكْرَادَ فَضْلُ طعام (٤) بِيورَاسفَ.
وذلك أَنه كان يَأْمُر أَن يُذْبَح له كُلَّ يوم إِنسانانِ ويتّخذ طعامَه من لُحومِهما ، وكان له وزيرٌ يقال له أَرياييل ، فكان يذبَح واحداً ويُبْقِي واحداً يَسْتَحْيِيه ويَبعثُ بهِ إِلى جبَلِ فَارِس ، فتوالَدوا في الجِبال وكَثُروا. قال شيخنا : وقد ضَعَّفَ هذا القولَ كثيرٌ من أَهلِ الأَنسابِ. قلت : وبيوراسف هذا هو الضَحَّاك المارِي ، مَلَكَ العَجَمَ بعدَ جم بن سُلَيْمان أَلفَ سَنَةٍ ، وفي مفاتيحِ العُلومِ هو مُعَرَّب دَهْ آك ، أَي ذو عَشْرِ آفاتٍ ، وقيل معرَّب أَزدها ، أَي التّنِّينُ ، للسَّلَعَتَيْنِ اللَّتينِ كانَتَا له ، وقال أَبو اليقظان : هو كُرْدُ بن عمرِو بن عامِرِ بن رَبِيعَةَ [بن عامر] (٥) بن صَعْصَعَةَ ، وقد أَلَّفَ في نَسَب الأَكْرَادِ فاضلُ عصرِه العلَّامَةُ محمّد أَفندي الكُرْدِيّ ، وذكر فيه أَقولاً مختلِفَةً بعضُها مُصادِمٌ للبَعْضِ ، وخَبَطَ فيه خَبْطَ عَشْوَاءَ ، ورَجَّح فيه أَنه كُرْد بن كَنْعَانَ بن كوش بن حام بن نوح ، وهم قبائلُ كثيرةٌ ، ولكنهم يَرجِعُون إِلى أَربعةِ قبائلَ ، السوران والكوران والكلهر واللرّ. ثم أَنّهم يتشَعَّبون إِلى شُعوبٍ وبُطونٍ وقَبَائلَ كثيرةٍ لا تُحْصَى ، مُتغايِرَةٌ أَلسِنتهم وأَحوالُهم.
ثم نَقَلَ عن مناهج الفكر ومباهج العبر للكُتْبِيّ ما نَصُّه : أَمَّا الأَكرادُ فقال ابنُ دُرَيدٍ في الجمهرة (٦) : الكُرْدُ أَبو هذا الجِيلِ الذين يُسمَّوْنَ بِالأَكراد ، فزعمَ أَبو اليَقظانِ أَنَّه كُرْدُ بن عمرِو بن عامر [بن : ربيعةَ بنِ عامر] بن صَعْصَعَةَ. وقال [ابن] الكلبِيِّ : هو كُرْد بن عمرو مزيقياءَ. وقعوا في نَاحِيَةِ الشَّمَال لَمَّا كان سَيْلُ العَرِم ، وتَفَرَّقَ أَهلُ اليَمن أَيْدِي سَبَا.
وقال المسعوديُّ (٧) : ومن الناس مَن يَزعم أَن الأَكراد من ولَد رَبيعةَ بنِ نِزارٍ ، ومنهم مَن يزعم أَنهم من وَلَدِ مُضَرَ بن نِزارٍ ، ومنهم من زعم أَنهم من ولد كُرْدِ بن كَنْعَانَ بن كُوش بن حام. والظاهر أَن يكونوا من نَسْلِ سامٍ ، كالفُرْسِ ، لما مَرَّ من الأَصْل ، وهم طوائف شَتَّى ، والمعروف منهم السورانية والكورانية والعمادية والحكارية والمحمودية والبختية والبشوية والجوبية والزرزائية والمهرانية والجاوانية والرضائية والسروجية والهارونية واللرية ، إِلى غير ذلك من القبائل التي لا تُحْصَى كَثْرَةً ، وبلادهم أَرضُ الفارِس وعراقُ العَجَم والأَذربيجان والإِربل والمَوْصِل (٨) ، انتهى كلامُ المسعوديّ ونقله هكذا العلامة محمد أَفندي الكُرديّ في كتابه. قلت : والذي نقل البُلبيسيّ عن المسعوديّ نصّ عبارته : هكذا تنازعَ الناس في بدءِ الأَكراد ، فمنهم من رأَى أَنهم من ربيعة بن نزار بن بكر (٩) بن وائل ، انفردوا في الجبال قديماً
__________________
(١) هو عمران الكاهن ، لم يعقب (ابن حزم).
(٢) واسمه الحارث قاله ابن حزم.
(٣) وذكر ابن حزم أيضاً في أولاده : ذهل وهو وائل ، ووادعة ، وأبو حارثة ، ومالك.
(٤) بالأصل «طعم».
(٥) زيادة عن التكملة.
(٦) الجمهرة ٢ / ٢٥٥ ، والزيادة المستدركة عنها.
(٧) مروج الذهب ٢ / ١٣٣. وسترد عبارته التي نقلها البلبيسي أكثر دقة مما ورد هنا.
(٨) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : الفارس والأذربيجان والأربل هكذا في النسخ والصواب إسقاط «ال» من المذكورات إذ هي أعلام.
(٩) في مروج الذهب ٢ / ١٣٣ «معد بن عدنان» ومثله في جمهرة ابن حزم.