الأَخْفَش جَوَازٌ ، وذلك لِتسميته ما كان على ثَلاثَةِ أَبياتٍ قَصِيدةً. قال : والذي في العادة أَنْ يُسَمَّى ما كانَ على ثلاثةِ أَبياتٍ أَو عَشَرَةٍ أَو خَمْسَةَ عَشَرَ : قِطْعَةً. فأَمَّا ما زاد على ذلك فإِنما تُسميه العَرَب قَصِيدةً ، وقال الأَخفش مَرَّة : القَصِيدُ من الشعر هو الطَّوِيلُ والبَسِيطُ التَّامُّ والكامِلُ التامُّ والمَدِيد التامُّ ، والوافِرُ التامُّ ، والرجَز التامُّ ، والخَفِيف التامُّ ، وهو كلُّ ما تَغَنَّى به الرُّكْبَانُ. قال : ولم نسمعهم يتَغَنَّوْن بالخَفِيف. ومعنَى قولِه : المَدِيدُ التامُّ ، والوافِرُ التامُّ ، أَتَمُّ ما جاءَ مِنْهُمَا في الاستعمالِ أَعْنِي الضَّرْبَيْنِ الأَوّلَيْنِ مِنْهُمَا ، فأَمَّا أَن يَجِيئا على أَصْلِ وَضْعِهما في دائِرتَيْهِما فذلك مَرْفُوض مُطَّرَحٌ ، كذا في اللسان. وقيل : سُمِّيَ قَصِيداً لأَنّ قَائلَه احْتَفَل له فنَقَّحه باللفْظِ (١) الجَيِّد والمَعْنَى المُخْتَار ، وأَصْلُه من القَصيد وهو المُخُّ الغليظُ السَّمِينُ الذي يَتَقَصَّد أَي يَتَكَسَّر [إِذا استخرج من قصبه] (٢) لِسِمَنِهِ ، وضِدُّه الرَّارُ (٣) ، وهو المُخُّ السائلُ الذي يَمِيعُ كالماءِ ولا يَتَقَصَّدُ.
والعربُ تَستعيرُ السِّمَنَ في الكلامِ الفصيحِ ، فتقولُ : هذا كَلَامٌ سَمِينٌ ، أَي جَيِّد وقالوا : شِعْرٌ قَصِيدٌ (٤) ، إِذا نُقِّحَ وجُوِّدَ وهُذِّب ، وقيل : سُمِّيَ الشِّعْرُ التامُّ قَصيداً لأَن قائلَه جَعَلَه مِن بَالِه فَقَصَدَ له قَصْداً ولم يَحْتَسِه حَسْياً على ما خَطَر بِبَالِه وجَرَى عَلى لِسَانِه ، بل رَوَّى فيه خاطِرُه (٥). واجْتَهَد في تَجْوِيده ، ولم يَقْتَضِبْهُ اقْتِضَاباً ، فهو فَعِيلٌ [بمعنى مفعولٍ] (٦) مِن القَصْدِ ، وهو الأَمُّ ، ومنه قولُ النابِغَةِ :
وقَائلَة مَنْ أَمَّهَا وَاهْتَدَى لَهَا |
|
زِيَادُ بْنُ عَمْرٍو أَمَّهَا وَاهْتَدَى لَهَا |
أَرادَ قَصِيدَته التي يقول فيها :
يا دَارَميَّةَ بِالعَلْياءِ فَالسَّنَدِ (٧)
والقَصِيدةُ : المُخَّةُ إِذا خَرَجَتْ مِنَ العَظْمِ ، وإِذا انْفَصلَتْ مِن مَوْضعِها أَو خَرجتْ ، قيل : انْقَصَدَتْ وتَقَصَّدَتْ ، وقد قَصَدَهَا قَصْداً ، وقَصَّدَهَا : كَسَرَهَا.
أَو دُونَهُ ، كالقَصُودِ ، بالفتح» قال أَبو عُبَيْدة : مُخٌّ قَصِيدٌ وقَصُودٌ ، وهو دونَ السَّمِين وفوقَ المَهْزُولِ ، والقَصِيد : العَظْمُ المُمِخُّ ، وعَظْمٌ قَصِيدٌ : مُمِخٌّ ، أَنشد ثعلبٌ :
وهُمْ تَرَكُوكُمْ لا يُطَعَّمُ عَظْمُكُمْ |
|
هُزَالاً وكانَ العَظْمُ قَبْلُ قَصِيدَا |
أَي مُمِخًّا ، وإِن شِئتَ قُلتَ : أَرادَ ذَا قَصِيدٍ ، أَي مُخٍّ.
وعن الليث : القَصِيدُ : اللَّحْمُ اليَابِسُ ، وأَنشد قولَ أَبي زُبَيْدِ :
وإِذَا القَوْمُ كَانَ زَادُهُمُ اللَّحْ |
|
مَ قَصِيداً مِنْهُ وغَيْرَ قَصِيدِ |
وقيل : القَصِيدُ : السَّمِين هاهُنَا؟؟ وأَنشدَ غيرُه للأَخْطَل :
وَسِيرُوا إِلَى الأَرْضِ التي قَدْ عَلِمْتُمُ |
|
يَكُنْ زَادُكُمْ فِيها قَصِيدَ الأَباعِرِ |
والقَصِيدُ من الإِبل : النَّاقَةُ السَّمِينةُ المُمْتَلِئةُ الجَسِيمَةُ التي بِهَا نِقْيٌ ، بالكسر ، أَي مُخٌّ ، أَنشد ابنُ الأَعرابيّ :
وخَفَّتْ بَقَايَا النِّقْيِ إِلَّا قَصِيبَةً |
|
قَصِيدَ السُّلَامَى أَوْ لَمُوساً سَنَامُها (٨) |
وقال الأَعشى :
قَطَعْتُ وصَاحِبِي سُرُحٌ كِنَازٌ |
|
كَرُكْنِ الرَّعْنِ ذِعْلِبَةٌ قَصِيدُ |
والقَصِيد : العَصَا ، والجَمْعُ القَصَائِدُ ، قال حُمَيْد بن ثَوْرٍ :
فَظَلَّ نِسَاءُ الحَيِّ يَحْشُونَ كُرْسُفاً |
|
رُؤُوسَ عِظَامٍ أَوْضَحَتْهَا القَصَائدُ |
وفي اللسان : سُمِّيَ بِذلك لأَن بها يُقْصَدُ الإِنْسانُ ، وهي تَهْدِيه وتَؤُمُّه ، كقولِ الأَعْشَى :
إِذَا كَانَ هَادِي الفَتَى فِي البِلَا |
|
دِ صَدْرَ القَنَاةِ أَطَاعَ الأَمِيرَا |
__________________
(١) الأصل واللسان ، وفي التهذيب : بالكلام الجيد.
(٢) زيادة عن التهذيب.
(٣) في اللسان : وضده الرير والرار.
(٤) الأصل والتهذيب وفي اللسان : «قُصِّد» وفي التهذيب إذا كان منقحاً مجوّداً.
(٥) الأصل واللسان ، وفي التهذيب : ذهنه.
(٦) زيادة عن التهذيب ، وقد سقطت من الأصل واللسان.
(٧) ديوانه ٢٣ وعجزه :
أفوت وطال عليها سالفُ الأبدِ
(٨) عن اللسان ، وبالأصل «وحقّت».