والأَبْعَدُّ ، مُشدَّدَ الآخِر في قول الشاعر :
مَدًّا بأَعناقِ المَطِيِّ مَدَّا |
|
حتَّى تُوافِي المَوْسمَ الأَبعَدَّا |
فلضرورة الشِّعر.
والبُعَداءُ : الأَجانبُ الّذِين لا قَرَابَةَ بينهم ، قاله ابن الأَثير (١).
وقال النضْر في قولهم : هَلَكَ الأَبْعَدُ قال : يعنِي صاحِبَه ، وهكذا يقال إِذا كَنَى عن اسمه.
ويقال للمرأَة : هَلَكَتِ البُعْدى قال الأَزهريّ : هذا مثْل قولهم : فلا مَرْحباً بالآخَر ، إِذا كَنَى عن صاحبه وهو يَذُمُّه.
ويقال : أَبعَدَ الله الأَخَرَ قلْت : الأَخَر (٢) ، هكذا في نُسخ الصّحاح ، وعليها علامة الصِّحّة ، فليُنظر. قال : ولا يقال للأُنثى منه شيْءٌ. وقولهم : كَبَّ اللهُ الأَبعَدَ لفِيهِ ، أَي أَلقاه لوَجْهه. والأَبعَدُ : الحائنُ : هكذا في الصّحاح بالمهملة (٣).
وفُلانٌ يَسْتَخْرِج الحَديثَ من أَباعدِ أَطْرافِه. وأَبْعَدَ في السَّوْم شَطَّ. وتَبَاعَدَ منّي ، وابتَعَد ، وتَبَعَّدَ.
وفي الحديث «أَنّ رجلاً جَاءَ فقالَ : إِنّ الأَبعَدَ قد زَنَى» ، معناه المتباعِد عن الخَير والعِصْمة.
وجَلَسْتُ بَعِيدةً منك وبعِيداً منك ، يَعِني مَكاناً بعيداً.
ورُبما قالُوا : هي بَعيدٌ منك ، أَي مكانُها. وأَمَّا بعيدةُ العهدِ فبالهَاءِ.
وذو البُعْدة : الّذي يُبْعِد في المُعادَاة. وأَنشد ابنُ الأَعرابيّ لرؤبةَ :
يَكْفِيك عندَ الشِّدّة اليَبيسَا |
|
ويَعتلِي ذا البُعْدَةِ النّحوسا |
قال أَبو حاتم : وقالوا قَبْلُ وبَعْدُ مِن الأَضداد. وقال في قوله عزوجل : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٤) أَي قَبْلَ ذلك.
ونقلَ شيخُنا عن ابن خالَويه في كتاب «ليس» ما نصُّه : ليس في القرآن بعْد بمعنى قبْل إِلّا حَرْفٌ واحِد (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) (٥). وقال مُغُلْطَاي في المَيْس على ليس : قد وَجَدْنَا حَرْفاً آخَرَ ، وهو (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) قال أَبو موسى في كتاب المغيث : معناه هنا قَبْل ، لأَنّه تعالى (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ... ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ، فعلَى هذا خلَق الأَرضَ قبْلَ السماءِ. ونقَله السُّيوطيّ في الإِتقان ، كذا نقله شيخنا.
قلْت : وقد رَدَّه الأَزهريّ فقال : والّذي قاله أَبو حاتم عمَّن قاله خَطأٌ ، قَبْل وبعْد كلُّ واحدٍ منهما نَقيضُ صاحِبه ، فلا يَكونُ أَحدُهما بمعنَى الآخَرِ ، وهو كَلامٌ فاسدٌ. وأَمَّا ما زَعَمه من التناقض الظاهرِ في الآيات فالجواب أَنَّ الدَّحْوَ غَيرُ الخلْق ، وإِنَّما هو البَسْط ، والخَلْقُ هو الإِنشاءُ الأَوّل ، فالله عزوجل خَلَق الأَرضَ أَوَّلاً غير مَدْحُوَّة ، ثم خَلقَ السماءَ ، ثم دحَا الأَرضَ ، أَي بَسَطَها. قال : والآيات فيها مُتّفقةٌ ولا تناقضَ بحمْدِ الله تعالى فيها ، عندَ مَن يَفهمها ، وإِنّمَا أُتِيَ الملحِدُ الطَّاعنُ فيما شاكلَها من الآيات من جِهَةِ غَبَاوَته وغِلَظِ فَهْمِه وقِلّة عِلْمِه بكلام العرب. كذا في اللسان.
قال شيخنا : وجعلَها بعض المُعْرِبين بمعنَى مع ، كما مرَّ عن المصباح (٦) ، أَي مع ذلك دَحَاها. وقال القاليُّ في أَماليه ، في قول المضرِّب بن كعْب :
فقُلْتَ لها فِيئي إِليْكِ فإِنّني |
|
حَرَامٌ وإِنِّي بعدَ ذاكِ لَبيبُ |
أَي مع ذاكِ. ولَبيب : مُقيم.
وقد يُرَادُ بها الآنَ في قول بعضِهم :
كما قَدْ دَعَاني في ابنِ مَنصورَ قَبْلَهَا |
|
وماتَ فمَا حانتْ مَنِيَّتَه بَعْدُ |
أَي الآنَ.
وأَبعَدَ فلانٌ في الأَرض ، إِذا أَمْعَنَ فيها.
وفي حديث قتْل
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله قاله ابن الأثير ، أي في حديث مهاجري الحبشة : وجئنا إِلى أرض البعداء».
(٢) في الصحاح المطبوع : الآخَرَ.
(٣) في الصحاح المطبوع : الخائن بالخاء المعجمة.
(٤) سورة النازعات الآية ٣٠.
(٥) سورة الأنبياء الآية ١٠٥.
(٦) يشير إِلى ما ورد في المصباح : وتأتي بمعنى مع كقوله تعالى (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ) أي مع ذلك.